ضرورة الوقوف في وجه اقتصادات «فليكن»

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما قيل لرئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر، إن تخفيضات الإنفاق التي يخطط لها الجمهوريون قد تقضي على مئات الآلاف من الوظائف، في وقت يحتاج فيه أصلاً أكثر من ‬25 مليون أميركي إلى وظيفة بدوام كامل، ما كان منه إلا أن ردّ قائلاً: «فليكن».

وقبل أيام صرح بوينر بأن ترك كل هذا الكم الهائل من الديون لأولادنا، أمر «لا أخلاقي». هذا صحيح بالتأكيد، لكن النواب وحكام الولايات الجمهوريين الذين يواجهون ضغوطاً متزايدة في أنحاء البلد، يخططون لتطبيق تخفيضات هائلة في الإنفاق على مجالات حيوية أساسية لأولادنا؛ في برامج رياض الأطفال مثل «هيد ستارت»، الدعم الغذائي لحديثي الولادة، الرعاية الصحية، تمويل المدارس والمدرسين ودعم الكليات.

إنهم يقومون بهذه التخفيضات بعد أن مددوا التخفيضات الضريبية الممنوحة لأثرى ‬1٪ من الأميركيين، الذين ينعمون أصلاً بـ‬23 في المئة من إجمالي دخل البلد! من غير المنطقي الحديث عن «الأخلاق»، وتجاهل حقيقة أن الأطفال سيكونون أكبر ضحايا اقتصادات «فليكن».

إن المظاهرات الدائرة في ويسكونسن، التي يأمل حكامها في استخدام الأزمة الراهنة كذريعة لتدمير الاتحادات العمالية وإلغاء حقوق العمال بالمفاوضة الجماعية، قد كشفت عن حقيقة المآرب السياسية التي يرمي إليها حكام الولايات الجمهوريون المحافظون. وبينما نحن منشغلون بالكفاح من أجل الخروج من أسوأ ركود اقتصادي منذ سبعين عاماً، لا أحد يعير اهتماماً حقيقياً لأولئك الذين يطلب منهم تقديم التضحيات.

وبحسب مركز الميزانية والأولويات، فإن الولايات الـ‬41 التي نشرت مقترحاتها لميزانية السنة المقبلة، جميعها تقريباً يقترح تقليص الإنفاق عما كان عليه في عام ‬2008، وذلك رغم الارتفاع الكبير في تكلفة الخدمات، ورغم أنه ستكون هناك أعداد أكبر من الأطفال في المدارس الحكومية، وأعداد أكبر من الطلاب الذين يسعون للتسجيل في الجامعات، وأعداد أكبر من المستفيدين من خدمات «ميديكير»، وأعداد أكبر من الأميركيين المعتمدين على البرامج الصحية العامة.

معظم الولايات تخطط لتخفيضات كبيرة في الإنفاق على الخدمات العامة الأساسية. ونحن لا نتحدث هنا عن النفقات الزائدة غير الضرورية، أو ما يسمى بــ«الدهون»، وإنما نتحدث عن العظام والعضلات والأربطة. فهناك ‬16 ولاية تقترح إقرار تخفيضات كبيرة في الإنفاق على قطاع التعليم بمختلف فئاته. وعلى سبيل المثال، فإن ميزانية تكساس سوف تلغي تمويل برامج دور الحضانة، التي يستفيد منها حوالي ‬100 ألف طفل. وهناك أيضاً ‬23 ولاية اقترحت تطبيق تخفيضات كبيرة في الإنفاق على الرعاية الصحية.

وتخفي الميزانية التي اقترحها حاكم وسكونسن بين طياتها، خطة لإلغاء التأمين الصحي لحوالي ‬70 ألف شخص. وثمة ‬15 ولاية تخطط أيضاً لإقرار تخفيضات كبيرة في الإنفاق على التعليم العالي. كما ستخفض أريزونا برامج الدعم الحكومي للتعليم الجامعي بنسبة ‬20 في المئة السنة المقبلة، في أعقاب تخفيضات مماثلة أخرى أقرت في الآونة الأخيرة، لتنخفض بذلك مستويات إنفاق الولاية على طلابها بنسبة ‬46 في المئة عما كانت عليه قبل الركود. ورغم هذا كله، فإن العديد من حكام الولايات الجمهوريين الجدد، يقترحون منح تخفيضات ضريبية كبيرة، معظمها لفائدة الشركات الكبرى، حيث يريد حاكم فلوريدا الجديد مثلاً، خفض ضريبة دخل الشركات بنسب ‬45 في المئة، وإلغاءها تماماً بحلول عام ‬2018، في حين يقترح حاكم نيوجيرسي خفض الحد الأدنى للضريبة التي تدفعها الشركات، بنسبة ‬25 في المئة، وزيادة المبلغ الذي يمكن نقله بوصية إلى الورثة دون ضرائب. والمؤكد أن كل هذه التخفيضات في الإنفاق، ستكون لها آثار موجعة على الاقتصاد. السنة الماضية فقدت حكومات الولايات والحكومات المحلية ‬400 ألف وظيفة، في وقت كانت فيه هذه الحكومات لا تزال تحصل على الدعم المالي بموجب خطة أوباما للإنعاش الاقتصادي. وهذه السنة ستكون نتائج التخفيضات أسوأ.

إذاً، سيكون من بين الذين سيخسرون وظائفهم، الكثير من رجال الشرطة والإطفاء والقضاة وموظفي الخدمات الاجتماعية الأساسية. وبحسب تقديرات بنك غولدمان ساكس، في وول ستريت، فإن التخفيضات التي صوت عليها الجمهوريون يمكن أن تخفض معدل النمو إلى النصف، وصولاً إلى مستويات لا تكفي لاستمرار عودة الناس إلى سوق العمل. والمحاربون القدامى العائدون من ساحات المعارك وراء البحار، سيجدون أنفسهم على أرض الوطن في ساحة معركة اقتصادية، لا توفر لهم سوى القليل من الوظائف والقليل من الأمل.

لا بد أن كلا منا قد شهد يوماً ما، حادثة دفع فيها العمال ثمن أخطاء المديرين. وهذا بالضبط ما يحدث الآن، حيث قامت البنوك والشركات الكبرى العالمية بتدمير الاقتصاد، في حين نطلب من الأطفال ورجال الشرطة والمدرسين دفع ثمن أخطائها! حان وقت التحرك ضد هذا التوجه، لأننا لا يمكن أن نحتكم لمفهوم اقتصادات «فليكن».

 

 

 

 

 

Email