إسرائيل وثورات العالم العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي تواصل الثورات في منطقة الشرق الأوسط انتشارها كالعدوى، يدور الإسرائيليون في دوامة من القلق، فهم يخشون تولي الإخوان المسلمين الحكم في مصر، ويتوجسون من إسقاط الطغاة في دول أخرى، الأمر الذي سوف يعطي قوة جديدة لعناصر تخشاها إسرائيل تقليدياً، ويتخوفون أموراً أخرى أكثر من ذلك بكثير.

هذه مخاوف قد يتصور البعض أنها لها ما يبررها، لكنني قضيت سنوات عديدة أعمل في الشرق الأوسط، ولدي وجهات نظر بديلة.

على مدار أكثر من نصف قرن، منذ حدوث النكبة في العالم العربي، وهو التاريخ الذي تأسست فيه دولة إسرائيل، استعان بعض القادة العرب باستراتيجية متسقة للسيطرة على شعوبهم. كانوا يقولون مراراً وتكراراً إن هدفنا هو استعادة «فلسطين». لا يهم أي شيء آخر. الأمر المدرج ضمنياً بشكل متعمد في هذا، كان التوقع أن شعوبهم سوف تكف عن التفكير بشأن حياتها المتوقفة، والتركيز بدلاً من ذلك على القتال.

بدا هذا الأمر فعالاً لسنوات عديدة. بعد ذلك ظهرت الفضائيات والانترنت، وبمرور الوقت بدأ العرب العاديون يدركون أن المسألة برمتها تعود إلى خطأ حكامهم المتسمين بالعناد والفساد.

تزايدت مشاعر الإحباط ونمت، حتى جاء المحفز أخيراً، عندما قام بائع خضار في تونس بإحراق نفسه، كي يؤجج النيران في المنطقة على امتدادها. ويراقب العالم الآن الانتفاضات الحقيقية والخطيرة، التي اندلعت من المغرب إلى العراق وما بينهما، وتنقل شاشات التلفزيون أحداثها، ويمكننا جميعا أن نرى ونسمع ما يريده هؤلاء الناس.

وثمة حقيقة واحدة باتت ملحوظة بشكل واضح الآن، فحتى بعد عقود من التلقين، فإن هؤلاء المتظاهرين، في دولة بعد أخرى، ركزوا على القضايا الداخلية. وفي وقت مبكر من الشهر الجاري، أظهر التلفزيون أحد المتظاهرين وهو يلوح بلافتة عليها صورة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، وقد اخترقت وجهه نجمة داوود، إلا أن ذلك كان يتعلق بمبارك أكثر مما يتعلق بإسرائيل.

القلة من العرب يكنون مشاعر دافئة تجاه إسرائيل، ولكن بالنسبة للجميع الآن، تعتبر إسرائيل مجرد حقيقة مؤسفة في الحياة، وليست هاجسا. نتذكر أن النكبة مضى عليها ‬63 عاماً حتى الآن، وانتهت أحدث حرب دارت بين العرب وإسرائيل قبل ‬38 عاماً. اليوم، فإن أكثر من نصف العرب على امتداد العالم، ولدوا بعد سنوات من تلك الأحداث. ويقدر متوسط العمر في ليبيا حتى الآن إلى ‬24 عاماً، وفي مصر ‬25 عاماً. وهؤلاء الناس يعرفون الآن، أن التحذيرات المثيرة التي يطلقها حكامهم بشأن إسرائيل كانت تشتيتا للانتباه.

ومع ذلك، فإن إسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي يتملكها القلق إزاء أي من الحكومات التي ستحل محل الطغاة الذين يسقطون من السلطة. ففي نهاية المطاف، قضى الطغاة على جميع قادة المعارضة البارزين في كل من هذه البلدان، وبقي هؤلاء الأشخاص الذين لديهم حرية التنظيم، وهم الزعماء الدينيون، الذين يمكنهم عقد اجتماعات والترويج لثورة إسلامية داخل مساجدهم، دون تدخل من أي أحد بشكل عام.

مع ذلك، ونحن نتابع هذه الانتفاضات، لم نسمع تقريبا أحداً يطالب بقيام حكومة أصولية إسلامية. ففي صحيفة «إن بي آر» الأميركية قبل بضعة أيام، على سبيل المثال، أعلن رجل أعمال ليبي: «هذا الأمر لا يتعلق بالإسلاميين، بل إنه يتعلق بالحرية والديمقراطية»!

وتعد جماعة الإخوان المسلمين في مصر من المخاوف الأخرى لإسرائيل. وقبل بضعة أيام، اتهم آري شافيت، وهو كاتب عمود رأي في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، أميركا بالسماح بسقوط الرئيس المصري السابق حسني مبارك من السلطة في مصر «مما يمهد الطريق بمساعدتها إلى تحقيق النصر للإخوان المسلمين».

هذه هي النغمة السائدة التي تعزفها إسرائيل، لكنني أتساءل كيف يعتقد الإسرائيليون أن الولايات المتحدة كان من الممكن أن تدعم دكتاتوراً مكروها من شعبه، في الوقت الذي كان يخون ‬80 مليون مصري!

على أية حال، من خلال تصريحات الإخوان المسلمين في الآونة الأخيرة، نعلم أن الجماعة تمر بمرحلة صراع. فقادتها من الجيل الأصغر سناً يتحدثون عن الديمقراطية والتعددية، في حين لا يزال الجيل الأكبر سناً يتشبثون بوجهات النظر التقليدية بشأن إسرائيل والغرب.

ليس في مقدورنا أن نعرف ما الذي يريد الإخوان المسلمون القيام به فعلاً، ولكن ما يمكن تفنيده هو أن الغالبية العظمى من المصريين، بمن فيهم الجيش، لا يريدون دوراً في القيادة للإخوان. ولا تنسوا أنه في أي لحظة، يمكن أن يخرج جميع هؤلاء الناس، في مصر ودول أخرى، إلى الشوارع من جديد.

Email