الشرق الأوسط والنموذج الكمبودي ــ التايلاندي

ت + ت - الحجم الطبيعي

على امتداد الشرق الأوسط وخارجه، يرتعد القادة والمستبدون في معاقلهم، خوفاً من أن يطيح بهم شعوبهم. جميعهم باستثناء حاكم واحد، بعيد كل البعد عن الشرق الأوسط.

في كمبوديا، تابع الدكتاتور «هون سين» الذي حكم البلاد لمدة طويلة، كباقي نظرائه المستبدين في جميع أنحاء العالم، الأخبار ومضى يضع استراتيجيته الخاصة. وقرر أن يلقي خطاباً، ويهدد شعبه.

وحذر قائلاً: «أود أن أقول لكم إذا كنتم تريدون الاعتصام كما هي الحال في تونس. فسوف أغلق الباب وأبطش بكم هذه المرة».

كان ذلك في الشهر الماضي، وساد الهدوء منذ ذلك الحين. عاد «دون جيمسون»، وهو مسؤول سابق في وزارة الخارجية الأميركية خدم في العاصمة الكمبودية فنوم بنه، لتوه من زيارة طويلة هناك، وقال لي: «في تقديري، تعد فرص حدوث احتجاج ضد نظام الرئيس هون سين كتلك التي اندلعت في تونس ومصر قريبة من الصفر».

وفي غضون ذلك وفي بلد قريب هو تايلاند، وفي الوقت الذي يتظاهر الألوف من المناهضين للحكومة في الشوارع في الوقت الراهن، مطالبين بإجراء انتخابات مبكرة، وما هو أكثر من ذلك. لكنهم لا يستمدون إلهامهم من الأحداث الجارية في تونس أو مصر أو أي مكان آخر. فقد نزلت جماعات التبارز من المتظاهرين الغاضبين إلى الشوارع في بانكوك، مطالبة بالتغيير، كل بضعة أشهر منذ عام ‬2008. ولكل هذه الحشود الغاضبة في منطقة الشرق الأوسط، فإن المحتجين في تايلاند يظهرون لامبالاة ويقولون: «مرحبا بكم في نادينا».

هذه هي قصة دولتين. ويتصادف أن هاتين الدولتين في حالة حرب.

على الحدود التايلاندية الكمبودية يقع معبد هندوسي صغير ومتهالك يعود إلى القرن الحادي عشر يطلق عليه معبد «بريا فيهيار». في عام ‬1962، قضت محكمة العدل الدولية بتبعية المعبد لكمبوديا. فقد بنته امبراطورية الخمير القديمة. لكن قرارات المحكمة لم تقدم أي رأي بشأن الأرض الخالية المحيطة به. بعد ذلك في عام ‬2008، أعلنت منظمة اليونسكو أن المعبد من مواقع التراث العالمي. وعندئذ اندلع الغضب في تايلاند.

على مدار قرون، كانت هواية تايلاند المفضلة تتمثل في توجيه الضربات لكمبوديا كمبوديا. وقبل قرن من الزمان، احتلت تايلاند النصف الغربي من كمبوديا. في عام ‬2008، شنت تايلاند هجوماً على منطقة « بريا فيهيار»، مؤكدة على ملكيتها للأرض. ولقي العديد من الجنود من كلا الجانبين مصرعهم. وفي النهاية،انحسر العنف، ولكن ليس قبل أن يتعلم قادة الدولتين درساً هاماً.

في كمبوديا، يكره السكان المتعلمون (وهم نسبة ضئيلة من إجمالي السكان هناك) حاكمهم المستبد بشكل عام، تماما كما هي الحال في معظم الدول الاستبدادية. ولكن عندما تعرضت تايلاند للهجوم في عام ‬2008، هب الجميع على الفور، حتى المعارضين لـ«هون سين»، واحتشدوا حوله لدعم الكفاح ضد العدو الكمبودي القديم الذي يحتقرونه، وهم السياميون.

ليس من الواضح من الذي بدأ القتال الجاري حالياً. فقد قتل عدد من الجنود والمدنيين. لكن السياسيين من كلا الجانبين يجنون فوائد كبيرة.

أقام «هون سين» دعوى قضائية ضد «مايكل هايز»، الذي كان رئيس التحرير المؤسس لصحيفة «فنوم بنه بوست»، التي تصدر باللغة الإنجليزية. من المؤكد أن الرجلين ليسا صديقين. ولكن الآن، حسبما كتب «هايزس: «إنني غاضب كباقي الكمبوديين إزاء ما نعتبره صراعاً بدأته تايلاند». وأضاف: «خلال الـ‬20 عاماً عشت في كمبوديا، وقضية بريا فيهيار بلا شك هي القضية الوحيدة التي وحدت الأمة بأسرها».

التوقيت شبه رائع. ذلك أن كمبوديا سوف تجري انتخابات محلية العام المقبل وتجري الانتخابات الوطنية في عام ‬2013. الوضع نفسه ينطبق على تايلاند. في الواقع، يبدو أن القادة من الطرفين يشجعون الصراع.

بسبب الاحتجاجات التي اندلعت في الشوارع، فقد أعلنت تايلاند للتو إجراء انتخابات جديدة بحلول يونيو المقبل. ألقى «سوندي لمثونجكول»، زعيم جماعة معارضة تمثل إحدى المؤسسات التجارية والسياسية، خطاباً حماسياً قبل الانتخابات حيث وصف خلاله الرئيس الحالي بأنه ضعيف الإرادة، ودافع عن شن غزو واسع على غرب كمبوديا.

أشار «لمثونجكول» في عبارات قوبلت بالهتاف من قبل الجمهور، إلى أن كمبوديا ضعيفة، وأن «الموت من أجل قضية كبرى، ومن أجل حماية الأرض، لهو أمر يستحق ذلك.

تعهد «هون سين» في كمبوديا بالبقاء في منصبه حتى بلوغ سن التسعين. فهو يبلغ ‬58 عاماً حالياً، وبالفعل لم يستمر أي زعيم آسيوي في السلطة لمدة طويلة، أكثر من ‬26 سنة. وكما حدث في مصر، فقد شهدت كمبوديا انتخابات معيبة، لكن «هون سين» أعلن أخيراً: «إنني لا أريد إضعاف المعارضة فحسب، بل أريد القضاء عليها».

في تايلاند جلبت احتجاجات الشوارع وقضايا أمام المحاكم تغيرات متوالية في القيادة خلال السنوات الخمس الماضية. وفي حقيقة الأمر، فإن من يتقلد السلطة يحيا الآن في ظل تهديد مستمر باحتجاجات هائلة في الشوارع بحيث أن قبضته على السلطة تظل متقلقلة دوماً. ولكن القادة الكمبوديين والتايلانديين يحرصون الآن لمصلحتهم الخاصة على أن يتواصل الصراع على المعبد، أكثر من أي شيء آخر لتحريك الأحداث في البلدين كليهما.

Email