معضلة نظام الحزبين في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لدي أخبار طيبة. إن نظامنا القائم على الحزبين يعمل بشكل جميل جدا. هذا لو كنت عضواً في النخبة الصغيرة الأوفر مالاً وتستخدم النفوذ المالي الخاص بك للسيطرة على جداول أعمال كلا الحزبين. بالنسبة لأولئك الذين لا ينتمون إلى هذا النادي المغلق على أعضائه فالأمر ليس كذلك، الأمر لا يعني الكثير. والأدلة على ذلك موجودة في كل مكان يقع عليه بصرك.

لماذا لا تزال البنوك شديدة الضخامة لدرجة أنها لا تفشل على حالها؟ لماذا لم يمكن تمرير الخيار الذي يتمتع بشعبية ساحقة بشأن الرعاية الصحية؟ لماذا لا يزال هناك تأكيد محدود للغاية على الوظائف في زمن بلغ معدل البطالة ‬9٪؟ في قضية تلو الأخرى، كالتعليم وبنيتنا التحتية المتداعية وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وتغير المناخ والتراجع المطرد للطبقة الوسطى، فإن نظامنا الحالي القائم على الحزبين تمكن من إنتاج ما يصفه «توماس فريدمان» بحق «حلول دون المستوى الأمثل».

ليس جوهر الأمر فحسب أن نظام الحزبين ضّيق نطاق خياراتنا، وإنما ضيق نطاق تفكيرنا. فقد حفظ لنا وعمق حكمة تقليدية ساخرة في خطابنا السياسي، وأصاب بالعدوى وسائل الإعلام لدينا وساستنا. إن مشكلاتنا تحتاج أنواعا جديدة للتفكير من النوعية التي لا يسمح بها نظامنا الذي يتم تشكيله حالياً. بدلاً من ذلك، فإنه يفرض علينا أن نرى كل شيء من منظور اليسار مقابل اليمين الذي يتسم بأنه منهك ومحدود ومتهالك ومشوه على نحو متزايد.

لكن مشكلاتنا لا تتفق تماما مع هذا الإطار. كيف يمكننا أخذ التصرفات السياسية والاجتماعية لـ ‬300 مليون أميركي، ووضعها في إطار حاوية واحدة فقط من حاويتين؟ وكما قال جون آدامز منذ قرون: «لا يوجد شيء أخشاه بقدر ما أخشى تقسيم الجمهورية إلى حزبين كبيرين، كل واحد منهما مرتب تحت قيادة زعيمه وتدابيره المتضاربة مع الحزب الآخر». لو أنه استطاع فقط أن يرى كيف تحقق ما كان يخشاه، بما يخلف واشنطن في حالة من الجمود الدائم.

لقد أوجد هذا النظام انقسامات عميقة تدفع قادتنا حتماً إلى حفر خنادق أعمق وأكثر تحصناً. وينتهي هذا حتما بوضع قدر هائل من السلطة في أيدي عدد قليل مما يسمى بالوسطيين الذين هم على استعداد، في حالات نادرة، للمغامرة بالخروج من خنادقهم بحثاً عن طريقة لما يعتبره هذه الأيام حلاُ وسطاً. لقد رأينا هذا يحدث بطريقة مروعة خلال «النقاش» حول الرعاية الصحية الذي قضى الديمقراطيون ‬14 شهراً يأملون في جذب «أولمبيا سنو»، مثل حب مثير للشفقة أصاب طالباً في المرحلة الثانوية لم يتعلم استيعاب أن حبيبته ليست هائمة به.

والبديل لهذا العالم القائم على الحزبين هو إقامة نظام التعددية الحزبية الذي يزيد من الخيارات المقدمة للجمهور، والمساعدة على ضمان أن التنوع في المصالح المختلفة المذاهب ووجهات النظر تتم مراعاتها عندما يتم صياغة السياسة. كما تضمن نظم التعددية الحزبية أن مجموعات الأقليات يكون لها صوت في العملية السياسية. وهو ليس مجرد صوت، ولكنه نفوذ فعلي.

يتسم التعطش للتغيير بأنه واضح على جانبي الطيف السياسي، بدءاً من الصعود إلى السلطة لمرشح من الخارج مثل أوباما حتى حزب الشاي، وكلاهما جاء نتيجة الحركات الجذرية المناهضة للنظامية. فالشعب الأميركي يريد البدائل بوضوح. على جميع المستويات من الناحية العملية، يحجم المرشحون المحتملون من كل حزب عن الانضمام إلى قائمة التأسيس ويحاولون على نحو يائس إظهار استقلالهم عن أجنحة التأسيس من كلا الحزبين اللذين تمت إقامتهما على القدر المحدود من التقدير. وهذا يحطم التماسك والسيطرة على الحزبين. ولا يمكن أن يحدث بسرعة كافية. فهل يكون الجواب هو «روس بيرو»، المرشح المستقل من حزب ثالث الذي لا يحمل امتناناً لأي من الحزبين؟

من غير المحتمل ان يحدث ذلك. فليست هناك أي شخصية أخرى، حتى الرئيس، لديه القدرة على إقرار هذا التغيير الذي نحتاجه دون أن يكون لدينا احتياطي تشريعي جادّ. لو ظل الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس مكبلي الأيدي، فلن يتم تحقيق أي شيء.

بالمثل، يمكن أن يكون لدينا العديد من الأحزاب السياسية، ولكن لو ظلت أسيرة تحصل على التمويل من قبل المصالح الخاصة، فلن يتغير الكثير. إن الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية تجعل مثل هذا الوضع أكثر احتمالاً. وبفضل وسائل الإعلام الجديدة والإنترنت، أصبح لدينا مواطنون أكثر دراية بالإنترنت على نحو متزايد، ونشهد جيلاً من الناخبين أقل انحيازاً للمؤسسات الكبيرة. فهم أكثر تمكيناً من أي وقت مضى من التواصل بعضهم مع البعض الآخر، وقطع طريق الأكاذيب التي يقدمها الساسة وأصحاب المصالح الخاصة.

Email