تخفيضات الميزانية وأزمة المجتمع الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع إعلان الجمهوريين مؤخراً عن التخفيضات المقترحة في الميزانية لهذا العام، ومشروع الميزانية للرئيس الأميركي بارك أوباما للعام ‬2012، فإننا نشهد مذبحة بكل المعايير. التناقض بين ديسمبر وفبراير أمر مذهل.

في ديسمبر، كان لدينا تساهل الشتاء من أجل الثراء، مع اتفاق الحزبين على تمديد الإعفاءات الضريبية لفئة أغنى ‬1٪ من الأميركيين، بتكلفة حوالي ‬40 مليار دولار سنويا.

الأمر لا يتعلق بمسألة أنهم كانوا بحاجة إلى المال، إذ يستحوذ أغنى ‬1٪ في أميركا الآن على ما يقرب من ربع دخل جميع أفراد المجتمع.

لقد امتلكوا أكثر من ثلث الفوائد من التخفيضات الضريبية في عهد الرئيس الأميركي السابق بوش، ولديهم الآن من الثروة ما يقدر بـ‬90 مما يمتلكه الأميركيون.

أما في فبراير، فقد شهدنا خطة فبراير للتقشف للطبقة المتوسطة والفقراء، حيث يقترح الجمهوريون تخفيضات كبيرة في شبكة الأمان المعيبة، التي نقدمها للأسر والمجتمعات الفقيرة.

سوف يعاني النساء والأطفال الفقراء من انخفاض في المواد الغذائية والدعم، وسوف تفقد المجتمعات الفقيرة المنح الجماعية الفيدرالية.

سوف تفقد المدارس الفقيرة المعلمين والدعم، وسوف يجد الطلاب المهرة من الأسر ذات الدخل المنخفض، تخفيضاً سنوياً يقدر بـ‬800 دولار في منح «غرانت» غير الكافية، رغم ارتفاع مصروفات الدروس.

وسوف يتم إلغاء برنامج دعم «أميركا كوربس» عن المنظمات غير الربحية، والوظائف المفقودة. الكثير من الفئات الضعيفة سيواجه هبوطاً حاداً، إذا تم فرض هذه التخفيضات.

الميزانية التي اقترحها الرئيس موجهة للعام المقبل، لكنها سوف تخفض المنح المجتمعية، وتضعف المساعدات الداخلية لذوي الدخل المنخفض والمسنين.

ويحاول الرئيس أوباما، على الأقل أن يبرر الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والتدريب والبحث والتطوير. لكن الجمهوريين يستخفون بذلك، باعتباره يعني المزيد من الإنفاق الذي لا يمكننا تحمله.

ولكننا نستطيع، في الوقت نفسه، تحمل تخفيض الضرائب بالنسبة لأغنى الأميركيين. وبوسعنا تحمل فرض ضريبة على الثروة، بمعدلات أقل مما نفرضه على ضريبة العمل، من خلال ضمان أن أغنى الأميركيين، حسبما أشار الملياردير الأميركي «وارن بافيت»، يدفعون ضرائب أقل من السكرتيرات العاملات لديهم.

بوسعنا أن ننفق الكثير من المال على قواتنا العسكرية، مثل بقية دول العالم مجتمعة، وتبديد أكثر من ‬100 مليار دولار سنوياً على الحرب التي لا نهاية لها، لدعم حليف فاسد في أفغانستان، حتى في الوقت الذي يهاجم الجمهوريون المساعدات الخارجية من أجل الصحة والغذاء والتنمية!

يتم تمديد التخفيضات الضريبية للأثرياء، في حين يتم إنهاء البرامج للطبقة العاملة والفقراء. ميزانيتنا العسكرية تزيد في خطط ميزانيات الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، بينما يجري خفض الخدمات الاجتماعية، فالميزانيات تعد بمثابة بيان عن القيم.

وكان الدكتور «كينغ»، وهو يشاهد ضياع الحرب على الفقر في غابات فيتنام، قد حذر من أننا كنا على شفا «الموت الروحي»، وبدأ ينظم حملة للفقراء. وبعد مشاهدة تساهل ديسمبر، ومذبحة فبراير، فقد آن الأوان لبدء التنظيم مرة أخرى.

إن ما نشاهده هو الرخاء الممنوح لأقوى الفئات في المجتمع، والتقشف لأقل الفئات. إننا نتذكر مقولة الدكتور كينغ، حينما يتم تكريمه من خلال الاحتفالات والأعياد، بأن الميزانية بمثابة وثيقة أخلاقية تحدد طابعنا القومي.

Email