السلام والعدل الاجتماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

دَفعَ الفقر المدقع، المتفاقم نتيجة الركود العالمي، في دول تنتمي إلى منطقة الشرق الأوسط إلى تأجيج الاحتجاجات التي أفضت بالفعل إلى تغييرات لا يستهان بها.

ويربط المعلقون على أخبار هذه الاحتجاجات بالتفاوت الاقتصادي الذي يجعل من الضغط السياسي أمراً لا يطاق. فإذا لم تكن هناك عدالة، فلا يمكن أن يتحقق سلام.

وهناك شيء واحد لم تشر إليه التغطية الصحافية، وفقا للبيانات الصادرة عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو أن الولايات المتحدة متورطة بقدر من عدم المساواة أكبر من دول أخرى بالمنطقة. إننا نعاني في أميركا من عدم المساواة مع قدر يسير من الاحتجاج حتى الآن.

فالحريات السياسية، من الانتخابات وحرية التعبير وحرية التجمع، تساعد على تنفيس الإحباطات التي من شأنها، لولا ذلك، أن تتفاقم. (ولكن، في الواقع، كلما كانت حالتك الاقتصادية أكثر فقراً وغير مستقرة، كما ضعفت احتمالات مشاركتك في التصويت أو الاحتجاج). سوف تتعلم الولايات المتحدة الدرس نفسه. حتى مع وجود الحريات الديمقراطية، إذا لم تتحقق العدالة، فلن يكون هناك، في النهاية، سلام.

لقد بلغت حالة عدم المساواة في أميركا حالياً مستويات لم تشهدها منذ أيام أقطاب الجريمة في بداية القرن الماضي. تحصل فئة آل ‬1٪ الأعلى دخلاً في أميركا على ما يقرب من ‬25٪ من دخل البلاد. فهي تسيطر على الثروة بقدر آل ‬90٪ من الطبقة الأدنى في المجتمع. ويحقق كبار المديرين التنفيذيين الآن أكثر من ‬260 ضعف ما يحققه العامل المتوسط، بزيادة ‬24 مرة عن العام ‬1980. فهم يحققون في يوم واحد ونصف اليوم ما يحققه عامل في سنة كاملة. وخلال فترة «التعافي» الأخيرة ما بين عامي ‬2002 و‬2007، استحوذت فئة ‬1٪ الأعلى على حوالي ثلثي جميع مكافآت النمو. وكان الاقتصاد ينمو، والأرباح والإنتاجية يرتفعان، ولكن للمرة الأولى منذ البدء في تسجيل الإحصاءات، تراجع معظم الأميركيين بالفعل. وكان ذلك قبل انفجار فقاعة الإسكان، وتجاوزات شركات وول ستريت التي فجرت الاقتصاد.

لا يعمل اقتصاد السوق بشكل فعّال في ظل هذا التركيز الشديد للدخل والثروة. فالقلة من الأغنياء يعيشون حياة مترفة غنية، ولكنهم لديهم من المال للدخول في المضاربات الأكبر حجماً، مما يضخم الفقاعات، كفقاعة شركات الإنترنت، وفقاعة الإسكان، التي تفجرت جميعها في نهاية المطاف.

وفي المقابل، تكابد عائلات الطبقة المتوسطة في ظل حالة ركود الدخل وارتفاع تكاليف الخدمات الأساسية، كالرعاية الصحية والتعليم والإسكان والتقاعد والضمان. فهم يعملون ساعات أطول، ويرسلون المزيد من أفراد الأسرة إلى سوق العمل، ويعانون من الديون. ويمرون بتجربة متعاظمة من انعدام الأمن، ويبقون على مرض خطير أو وظيفة مفقودة بعيداً عن الخراب.

إن الفقراء يناضلون من أجل البقاء فحسب. وأطفالهم يعبرون شوارع غير آمنة من أجل الذهاب إلى المدارس المكتظة، ويعتمدون في كثير من الأحيان على المدرسة لتناول وجبة جيدة. وهم محرومون من تكافؤ الفرص منذ البداية.

ليس هذا هو النظام الطبيعي في أميركا. بعد الحرب العالمية الثانية، وبتشجيع من الوحدة القومية التي انتصرت في الحرب، أنشأنا اقتصاداً نمونا معه جميعاً. وأصبحت أميركا أبعد ما تكون عن عدم المساواة، في الوقت الذي تأسست الطبقة الوسطى الكبيرة. أبقى الرئيس الأميركي الأسبق «أيزنهاور» معدل الضريبة الأعلى التي تم تطبيقها على ذوي الدخل الأعلى من الأغنياء عند مستوى الــ ‬90. وتمت زيادة الحد الأدنى للأجور بشكل منتظم. وكانت النقابات تمثّل نحو ‬30٪ من القوى العاملة. وكانت تلك السنوات أبعد ما يكون عن المثالية. وأميركا لا تزال تعاني العزلة.

لم يكن الأمر من فعل الطبيعة في تغيير كل ذلك. لقد كانت السياسة العامة، وهي السياسة العامة التي تسير في الاتجاه الخاطئ. تم تخفيض الضرائب على الأغنياء، إلى درجة أن رجل الأعمال «وارن بافيت»، وهو واحد من أغنى أغنياء أميركا، يشير إلى أنه يدفع ضريبة أقل من سكرتيرته. وأعلنت الشركات الحرب على النقابات، وأتقنت استخدام التقنيات القانونية وغير القانونية التي تلغي فعالية الحق في التنظيم. وطورت المصارف والشركات متعددة الجنسيات سياسة تجارية لتصدير الوظائف، وليس السلع، إلى الخارج. وتم تحرير البنوك من الضوابط، مع حدوث عواقب كارثية نعيشها اليوم.

دعونا نأمل في أن الاحتجاجات في أنحاء متفرقة من المنطقة تتحرك سلمياً باتجاه التحول الديمقراطي. وبينما نشاهد تلك النضالات، دعونا لا ننسى الحاجة إلى العدالة في الداخل الأميركي.

Email