الانتفاضات الشعبية في العالم وتبعاتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

ارتفعت الهتافات في الكثير من الدول على امتداد العالم، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط، من قبل المواطنين وبعض القادة الوطنيين، عقب سقوط نظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. يحدو هؤلاء الأمل المتحمس بأن تكون ثورة تونس أول قطع الدومينو التي سوف تتساقط. ونصيحتي في هذا الصدد: احذروا مما تتمنون.

يدعو البعض من المراقبين العرب وغيرهم، استناداً إلى ينبوع السخط الشعبي، إلى المزيد من الانتفاضات الشعبية، ولكن الحقيقة هي أن احتجاجات عديدة ظلت جارية على مدار أسابيع. فقد سيطرت على المواطنين المحتجين حالة من الضجر إزاء تفشي الفقر والقمع والفساد المفرط. وخلال الأيام الماضية، علت أصوات المتظاهرين في أماكن متفرقة في مختلف أرجاء المنطقة تطالب بالتغيير.

وكل الدول التي تشهد هذه الظاهرة تقريباً، يحكمها أشخاص يعيشون في قصور شاسعة ومترفة، وكأنها قصور لأباطرة من عصر الرومان، وهم أيضاً ينفقون الأموال ببذخ على أفراد عائلاتهم. فعلى سبيل المثال، كان شقيق الرئيس التونسي السابق يمتلك نمراً مدللاً في بيته، في الوقت الذي كان الألوف من الشباب التونسي، حتى من ذوي المستوى التعليمي المتوسط والجامعي، معدمين بسبب عدم توفر وظائف.

هناك حقيقة قليلاً ما تتم ملاحظتها، تساعد في تفسير هذه المشكلة. فإذا ألقينا نظرة على مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية مؤخراً، لوجدنا أن المستبدين والديمقراطيات الزائفة تحكم الـ‬25 دولة الأكثر فساداً في العالم. أما الديمقراطيات الحيوية والمنفتحة، فتحكم الـ‬25 دولة الأقل فساداً، مع استثناءين بارزين تتصدرهما سنغافورة.

المشكلة تتمثل في أن معظم الدول في الشرق الأوسط التي تسقط هؤلاء المستبدين المتحجرين والمرتشين، على الأرجح لن تجلب إلى السلطة أي نموذج ديمقراطي قريب من النمط الغربي.

الوضع في تونس حالياً يشير إلى أنه لا يوجد زعماء معارضون بارزون، على استعداد لخوض الانتخابات. فعلى مدار العقود الماضية، كان يتم اعتقال أو قتل أي شخص يتحدى الطاغية، وهذا هو الوضع نفسه على امتداد المنطقة تقريبا.

أما الأشخاص الوحيدون الذين يتسمون بالتنظيم والتصميم، والمستعدون لملء الفراغ في السلطة، فهم ممن لا يتحمس الغرب لهم.

خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي في السودان، أرست حرب أهلية وحالة سخط شعبي، أساساً لانقلاب في عام ‬1989، أسفر عن مجيء النظام الحالي إلى سدة الحكم في البلاد.

وفي الجزائر، تظاهر أخيراً الألوف من المواطنين الغاضبين في المدن على امتداد البلاد، عقب إعلان الحكومة الجزائرية تقليص الدعم للمنتجات الغذائية، معربين عن غضبهم من المسؤولين الذين يتنعمون كالعادة في أبهة العيش والثراء، في الوقت الذي يتضور الشعب جوعاً. وقتلت قوات الأمن شخصين على الأقل، وجرح أكثر من ‬300 شرطي و‬100 من المتظاهرين.

وفي خلال التسعينات، أوشكت أحزاب جزائرية على الوصول إلى سدة الحكم، ومضت بالبلاد في غمار ذلك إلى الوصول إلى حرب أهلية دموية.

وخلال الشهر الماضي، قام المتظاهرون في مدينة معان في الأردن بإضرام النار في عدد من المباني الحكومية وسيارات الشرطة، ولقي رجلان مصرعهما، من دون أن تنجح الشرطة في إلقاء القبض على من قام بقتلهما. وكان المحللون الأردنيون يتحدثون كذلك عن مشاعر الإحباط بين سكان الريف.

وشهد عدد من المدن الأردنية، مؤخراً، مسيرات احتجاجية، تضمنت الإعراب عن الشكوى من ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانتشار ظاهرة البطالة، غير أنه من الواضح أن هناك فارقاً كبيراً في نطاق وطبيعة الاحتجاجات في الأردن، مقارنة بغيرها مما شهدته دول عربية أخرى.

يتابع الحكام المستبدون الآخرون هذه التطورات ببالغ القلق، ويواصل الألوف على مواقع تويتر وفيسبوك ويوتيوب في الإنترنت، الهتافات بالأحداث في تونس، معلنين أن الناس سئموا من المستبدين.

إنها ورطة يواجهها العالم، ولا بد أن تجد الأمم المتحدة والجامعة العربية والمنظمات الدولية الأخرى والدول المتحالفة، سبيلاً لمساعدة تونس وغيرها من الدول الأخرى في المنطقة التي تسقط أو تتعرض للتهديد بذلك من قبل الشارع.

فليضمن الناس أنهم قد حصلوا على ما يستحقون بعد عقود من القمع الوحشي، لا سيما الحرية والرخاء، قبل أن يحشد المتطرفون قواهم للوصول إلى سبيل لتدمير البلاد، ويشكلون تهديدات جديدة على العالم.

 

Email