تونس والعالم العربي تداعيات ودروس

ت + ت - الحجم الطبيعي

«نحن لم نأت من كوكب المريخ»، هكذا خاطب أحد رجال الأمن التونسي مظاهرة عظمى في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة التونسية، بعد أن انضم إلى جموع المتظاهرين آلاف من عناصر الأجهزة الأمنية والشرطة. والمغزى واضح بالمفهوم الطبقي، فالعناصر الأمنية هم عند نهاية المطاف جزء لا يتجزأ من الطبقة العاملة المسحوقة، التي استهدفها نظام الديكتاتور زين العابدين بن علي بالظلم والقمع.

هذا أول درس ينبغي أن تستوعبه الطبقة الحاكمة في العالم العربي. والمغزى الأعمق والأبلغ لهذا الدرس، هو أنه عند نقطة ما من الفوران الشعبي المتصاعد، تكسر جماهير الشارع حاجز الخوف، وأنه عند هذه النقطة الزمنية أيضاً، تتخلى قوات الأمن عن ولائها لسلطة حاكمة يتصرف رموزها من وحي الخلاص الذاتي. هنا يحدث فرز يمتد فيه خط فاصل وقاطع، تقرر فيه العناصر الأمنية تصحيح موقفها فتنضم إلى الغالبية.

منذ اندلاع لهيب الفوران الشعبي في مدن تونس، قبل نحو أسبوعين، كانت قوات الأجهزة الأمنية تقوم بعمليات قمع وحشي جرى خلالها استخدام الرصاص الحي، ما نتج عنه سقوط عشرات القتلى. لكن ما نشهده الآن من تحول هذه القوات من صف السلطة إلى صفوف الجماهير، يشي حقاً بأن الانتفاضة التونسية انتقلت على نحو فجائي إلى ثورة كاملة.

والسؤال الذي يطرح هو: هل تتوقف غالبية الأنظمة الديكتاتورية في العالم العربي عند هذا المشهد الفريد لتستخلص ما ينبغي استخلاصه؟

القوة الحقيقية التي يعتمد عليها بقاء النظام، تتمثل في الجهاز الأمني. فهذا الجهاز لا يتولى فقط مهمة قمع المعارضة وأنشطتها، وإنما هو شبكة تتغلغل في جميع أوجه الحياة، بأنماطها السياسية والاجتماعية والمعيشية.

وما ينبغي أن تدركه رموز تلك الأنظمة، هو أن مثل هذا الجهاز مستهدف على الدوام بكراهية شعبية عارمة.. وهي كراهية تتصاعد وتتسع دوائرها مع مرور الزمن، حتى تتفجر جماهيرياً على نحو ما جرى في تونس.

الدرس الثاني؛ هو أن اندلاع الثورة التونسية أدى إلى فضح ادعاء الأنظمة، بأن المعارضة في العالم العربي تنحصر فقط في أنشطة تنظيمات ما يطلق عليه «الإسلام السياسي». فالثورة في تونس تفجرت من غضب شعبي عام، وقد تقدمتها كافة الأحزاب والمنظمات والفصائل، بمختلف ألوان الطيف السياسي، بل ولم تكن تنظيمات الإسلاميين جزءاً من الواجهة..

وفي هذا السياق، نشرت وكالة الأنباء الفرنسية تقريراً يلفت الانتباه إلى غياب الشعارات الإسلامية عن الثورة التونسية، ما يضعف حجة الكثير من الأنظمة العربية الحاكمة، التي تقول إنها تحول دون وصول «الأصوليين» الإسلاميين لسلطة الحكم.

ويقول تقرير الوكالة، إن الرئيس التونسي السابق ابن علي، أمضى معظم فترة حكمه التي امتدت إلى ‬23 عاماً، في سحق الجماعات الإسلامية المعارضة (التي كانت مناهضة للنظام العلماني الصِرف الذي طبقته حكومته). وبعد هجمات سبتمبر ‬2001 في الولايات المتحدة، أصبح الرئيس ابن علي من الداعمين المتحمسين لــ«الحرب على الإرهاب» التي شنتها واشنطن. لكن الأدلة التي ظهرت على مدى الأيام الماضية ـ تقول الوكالة ـ تشير إلى أن الشعارات التي ترددت في تونس، لم تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية.

من هذا تستخلص الوكالة أن ما جرى في تونس، يسبب حرجاً لحكومات الغرب التي قضت عشرات السنين في تبرير دعمها لابن علي وغيره من حكام العالم العربي، من خلال الإشارة إلى أن البديل هو ثورة إسلامية راديكالية.

لقد أثبتت الثورة التونسية، أن مطلب المعارضة الشعبية في العالم العربي ينحصر في كلمتين: الخبز والحرية. وهو مطلب ينعقد عليه إجماع الشعب بكل فئاته، بصرف النظر عن تنوع التوجهات السياسية والأيديولوجية تحت عنوان: «الديمقراطية التعددية الحقيقية». لذا كان القمع السلطوي يستهدف الجميع، مع تركيز أشد على جماعات الإسلام السياسي.

ومنذ الوهلة الأولى لاندلاع ثورة الشارع، سعى رموز النظام إلى اختطافها أو إجهاضها، لإفراغها من مضمونها عبر تغيير شكلي. لكن يبدو الآن، وبعد انضمام القوات الأمنية إلى جماهير الشارع ومع التزام قيادة الجيش بالحياد، أن العنفوان الثوري بلغ نقطة اللاعودة.

 

Email