خطاب العنف في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

دعونا نشعر بالأسى على القتلى والمصابين في حادث إطلاق النار مؤخرا، في مدينة تاكسون في ولاية أريزونا الأميركية، ونصلِي من أجل النائبة عن تاكسون «غابرييل غيفوردز»، التي كانت مستهدفة في عملية الاغتيال على يد شاب مختل عقلياً على ما يبدو. فقد أطلق النار على «غيفوردز» أثناء وجودها بين أبناء دائرتها، وهي تمارس أكثر الحقوق جوهرية، وهي «التجمع مع مواطنيها بشكل سلمي».

لقد ولّد هذا العمل المشين مناقشة جيدة حول العلاقة بين خطاب العنف والعنف نفسه. ونحن نقترب من ذكرى ميلاد «مارتن لوثر كينغ»، فإن هذا لا يذكرني فقط باغتيال الدكتور كينغ، ولكن أيضاً برده على العنف المتفشي ضد المواطنين السود في الجنوب، الذين كانوا يسعون إلى التجمع السلمي.

ففي ولاية ألاباما، على سبيل المثال، حرض حاكمها «جورج والاس» بسخرية على إشعال حرائق العنصرية من خلال خطابه وأفعاله، شاجباً المحرضين الخارجيين، وداعياً مواطني ألاباما إلى «الوقوف ضد التمييز» وشجب «النموذج المخيف من القهر في الامتيازات والحقوق وسيادة هذه الولاية... من قبل الحكومة الفيدرالية».

لقد حذر الزعماء المدافعون عن الحقوق المدنية، من أن خطاب «والاس» كان بمثابة صب الوقود على برميل الغضب والخوف، الناجم عن السود المطالبين بحقوقهم.

وبعد ثلاثة أشهر، وأثناء وقوفه على مدخل جامعة ألاباما، انفجرت قنبلة زرعها شخص يدعى «كلانسمين» في برمنغهام في شارع الكنيسة المعمدانية، وقتلت أربعة أطفال. وبعد يوم من الحادث، قال «كينغ» حقيقة بسيطة: «لقد تفوه حاكم ألاباما بأمور، وفعل أشياء جعلت الناس يشعرون بأنهم يتلقون الدعم والمساعدة والتأييد من قبل أعلى مسؤول في الولاية. فأحداث القتل التي تمت هي في ذمة الحاكم والاس».

وهذا لم يكن يعني أن «والاس» نبذ العنف، وأنه بالتأكيد لم يكن يريد استعادة حياة أربع فتيات صغيرات قتلوا في الحادث. ولكن «كينغ» قال له: «لا يمكنك ببساطة التنصل من العواقب الوخيمة الناجمة عن أفعالك. فقد أجج خطابك الملتهب وأفعالك الطائشة، لهيب الغضب والخوف لدى العنصريين».

وليس هناك دليل على أن «جاريد لوغنر»، المسلح المزعوم في حادث «تاكسون»، كان عضوا في مجموعة كراهية يمينية. فقد كان من الواضح أنه شاب مختل عقلياً، لكن المختل عقلياً هو الشخص الأكثر عرضة للتأثر بمناخ مليء بالكراهية والخطابة الدموية.

في أريزونا، كان التأجيج حاضراً. فقد تأثر الاقتصاد بشدة نتيجة الانهيار المالي، في ظل محدودية فرص العمل للشباب على وجه الخصوص. ومع وجود أسر ما زالت تفقد فرص عملها أو منازلها، فإن الخوف والاكتئاب لا مفر منهما. أضف إلى ذلك مناقشة قاتلة وعنصرية، بشأن الهجرة وإصلاح نظام الرعاية الصحية، فضلاً عن بعض أسوأ القوانين الموجّهة بقوة السلاح.

لقد شرّع حاكم أريزونا المحافظ، والمجلس التشريعي، لأي شخص يزيد عمره عن ‬21 عاماً بحمل السلاح دون تصريح. وبموجب ذلك تمكن «لوغنر» من شراء مسدس من نوع «غلوك» عيار ‬9 ملم.

وكما صرح «كلارينس دوبنيك» قائد الأمن في مقاطعة «بيما»، فقد أصبحت «أريزونا» قبلة «للتحيز والتعصب»، ومرجلا لغضب حزب الشاي، ومجموعات الكراهية اليمينية والمواقف المعادية للمهاجرين.

لقد تعرضت حياة «غيفوردز» للتهديد، وتم إتلاف محتويات مكتبها. ودعا خصمها الجمهوري من حزب الشاي، أنصاره إلى «خلعها من منصبها».

وعرّض اليمينيون سمعة «غيفوردز» للتشويه، ووصفوها بالخائنة والشيوعية والفاشية والمبددة لفرص العمل. لقد أصيبت عضوة الكونغرس بالأسى، عندما استهدفت لجنة العمل السياسي التابعة لسارة بالين دائرتها الانتخابية، وذلك بتصنيفها على صفحة بالين في الشبكة العنكبوتية، كمركز لتجمع السلاح.

وفي ولاية نيفادا المجاورة، أشارت المرشحة الجمهورية في مجلس الشيوخ «شارون أنغل»، إلى أنه من المحتمل أن يضطر الناخبون المحبطون إلى قبول «الإصلاحات في قانون التعديل الثاني».

تحظى التصريحات المتطرفة، كما أعلن الكثيرون، بالحماية بموجب التعديل الأول للدستور، مثل أي خطاب. ويمكن أن يعود تاريخ الخطاب اللاذع في السياسة الأميركية، إلى الأيام الأولى لقيام الحزب الجمهوري. ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد عواقب.

الحقوق تستوجب مسؤوليات. ففي ألاباما، صرح «كينغ» بشيء يعلم الجميع أنه صحيح، وهو أن الخطاب المتطرف وأفعال «والاس» كانت بمثابة صب الوقود على النار.

فلندافع عن حق كل شخص في التعبير القوي والمستقل. ولكن دعونا لا نفشل في تحدي من يمارسون هذه الحقوق بغير مسؤولية، لا سيما من يمسكون بمكبرات الصوت، مثل أبرز الشخصيات العامة أو نجوم وسائل الإعلام. وفي حظيرة السياسة، فإننا نتوقع منهم أن يكونوا مثالاً يقتدى به، ونطالبهم بألا يشعلوا عود الثقاب.

Email