أميركا والعدالة المختلة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد أن جعل الجمهوريون أميركا رهينة لفرض الإعفاءات الضريبية المتواصلة بالنسبة لأغنى الأميركيين، فإنهم يعلنون الآن أولويتهم الثانية، وهي خفض الإنفاق الحكومي، خصوصاً الجزء الذي يذهب للفئات الأكثر ضعفاً من الأميركيين.

في خطابه الإذاعي الذي ألقاه باسم الحزب الجمهوري بمناسبة العام الجديد، أعلن السيناتور الأميركي «كيلي أيوت» من «نيو هامبشاير»، أنه بالنسبة للجمهوريين المنتخبين حديثاً: «المهمة رقم واحد هي وقف الإنفاق المهدر لواشنطن.. فقد أرسلنا الشعب الأميركي إلى الكونغرس بتعليمات واضحة: وهي جعل الحكومة أصغر، لا أكبر». وتتصدر قمة أهدافهم ما تبقي من قانون الانتعاش الذي أقره الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأية مساعدات للولايات والمحليات التي تواجه بالفعل تخفيضات في المعلمين ورجال الشرطة.

تعتبر هذه السياسة سيئة. فلو نجح الجمهوريون فعلاً في خفض ‬100 مليار دولار من الإنفاق المحلي كما تعهدوا، فإنه يمكن أن يخمدوا النمو الهش الذي نمر به حالياً. ولكن الأسوأ من ذلك، أن هذه السياسة تفتقر إلى أي معنى أخلاقي، وهذا يذكرني بالعدالة المختلة.

عندما يطلب مشتر أميركي شطيرة لحم العجل بالبيض، فإن النكهات والرائحة تمتزج بشكل جيد. ولكن إذا طلب من الدجاجة التضحية لعمل الشطيرة، فإنها سوف تقول «لا مشكلة»، وتضع بيضة وتواصل القوقأة. أما العجل فيقول: «لا، لا، لا»، لأنه سوف يضطر إلى التنازل عن ساقه. عندما يقول الناس إنه يتعين على الجميع التضحية، فإنهم يتحدثون غالبا عن العدالة المختلة المنتمية إلى هذه النوعية.

كل ما هنالك أن الوضع الحالي للمحافظين أسوأ. فالمحافظون خاضوا صراعاً لتوهم، من أجل خفض الضرائب على العقارات الأكثر ثراء في البلاد. فقد ضغطوا من أجل الحفاظ على تخفيضات ضريبية للطبقة الأعلى، في حين يلغون الإعفاء الضريبي بموجب مقولة «إلزام جهة العمل بإعداد الإقرار الضريبي»، وتحصيل ضرائب من العمال الذين يكسبون أقل من ‬20 ألف دولار في السنة.

وكما يشير «سام بيزيغاتي» في مدونة بشأن الحملة التي لا تقدر بثمن حول مستقبل أميركا، وهي مادة مخبأة في التعامل الضريبي تسمح للأثرياء بتجنب الضرائب من خلال حذف ضرائب الهدايا، مما يسمح للزوجين الثريين اللذين لديهما طفلان، بتحويل ‬52 ألف دولار سنوياً لابنيهما، من دون دفع أي ضريبة عن هدية.

والأكثر من ذلك، فهم يسمحون بحيلة تخطيط عقاري غامضة، تعرف باسم «مانح والتون يحتفظ بأقساط الثقة»، التي تسمح لأثرياء أميركا بتقليل القيمة الفعلية للأصول التي يتبرعون بها. يقتبس «بيزيغاتي» من رأي خبير الضريبة العقارية «ستيفان ليمبيرغ» قوله: «لقد شهدت لتوك سطواً على بنك كبير. أبواب الخزانة فتحت».

لذلك فحينما يحتمل أن يتم الإغداق على أبناء الأغنياء بهدايا معفاة من الضرائب على مدى العامين المقبلين، فسوف يذهب أبناء الطبقة المتوسطة والعاملة والآباء الفقراء، إلى المدارس الحكومية ذات الفصول الدراسية الأكثر ازدحاماً، ويدفعون رسوماً دراسية أعلى في الجامعات العامة. وسيتم خفض هذه الميزانيات، لأننا «لا يمكننا تحمل ذلك». فهذا يشبه شطيرة لحم العجل والبيض، بدلاً من أن يقتصر الطلب على مساهمة دجاجة ببيضة، ونبطن عشها بالحرير، ومن المرجح أن يزداد الأمر سوءاً.

ويأتي الضمان الاجتماعي على رأس قائمة برنامج المحافظين، فقد أصدر الرؤساء المشاركون في اللجنة القومية للمسؤولية المالية والإصلاح، تقريراً يدعو إلى إجراء تخفيضات متعمقة في الفوائد، من خلال رفع سن التقاعد وخفض الفوائد بمرور الوقت، بالنسبة لمعظم المتقاعدين. والآن فإن هذا ليس مستغرباً، فدائماً ما كان «آلان سيمبسون»، الرئيس المشارك في اللجنة والعضو السابق في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية «وايومنيغ»، يسخر ممن يسميهم «الجشعين غريبي الأطوار»، ويستنكر الضمان الاجتماعي بوصفه رفاهية. وكان «إرسكين بولز»، الرئيس المشارك والمصرفي الاستثماري والرئيس السابق لموظفي البيت الأبيض، حريصاً على خصخصة الضمان الاجتماعي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.

ولكن تقريرهم سوف يعرض الآن على الأغلبية الجمهورية الجديدة، التي كان يريد أعضاؤها في لجنة الميزانية خفض الضمان الاجتماعي، وتحويل الرعاية الطبية إلى برنامج قسائم، حتى يدفع كبار السن تكلفة ارتفاع نفقات الرعاية الصحية!

هذا أمر مذهل. هل يعقل أن أي شخص يمكن أن يبرر ما يحدث في الواقع؟ وأن يتم استخدام أموال دافعي الضرائب وإلغاء الضوابط التنظيمية لإنقاذ المصرفيين، وتمكين الأغنياء ليكونوا أكثر ثراء؟ وخفض الضرائب على الأميركيين الأكثر ثراء، وعلى عقاراتهم؟ ثم بعد ذلك يأتي الإعلان عن أنه قد حان الوقت للجميع للتضحية، بداية من المسنين في ما يتعلق بالضمان الاجتماعي والرعاية الصحية، والشباب في ما يتعلق بمنح «بيل»، والفقراء في ما يتعلق بطوابع الغذاء أو من في حاجة إلى الرعاية الصحية الكافية؟

إن ذلك يجعل مظهر العدالة المختلة، بالغ الوضوح!

 

Email