أحدث تناقضات أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

إننا في أغلب الأحيان نبحر في النعم ونغرق في الشكاوى إلى حد بعيد. وعندما نقيس ما فعلناه من قبل بما لم يتم القيام به، فإنه لا يزال لدينا الكثير من الأعمال غير المنجزة. ولكن، حتى ونحن نحافظ على هذا المسعى، فإننا ينبغي أن نتوقف لكي نفهم نطاق نعمنا.

وهذا صحيح بالنسبة لأميركا الآن، فعملنا غير المنجز يظل بمثابة تحدٍ مشترك أمامنا. هناك الكثير جداً ممن لا مأوى لهم، الكثير من الجوعى، والكثير من العاطلين عن العمل، والكثير من غير المؤمّن عليهم، وعدد كبير جداً من الأطفال المعرضين للخطر، ومع ذلك، فإننا ننعم بالقدرة والواجب لجعل الأمور أفضل.

إن الإهانات التي انهالت على الرئيس الأميركي باراك أوباما من قبل اليمين، وخيبات الأمل التي عبر عنها اليسار، لا يجب أن تكون الأصوات الوحيدة التي يتم الإنصات لها. فقد كان انتخاب أوباما لحظة تحرر لأميركا، بعد أكثر من ثلاثمئة عام من الرّق والتفرقة والإرهاب.

وبوصفه رئيساً لأميركا، فقد تحدى أميركا لكي تحدث تغييرات لا يمكنها تجنبها، مثل إنعاش الاقتصاد وإصلاح الرعاية الصحية، وتحجيم وول ستريت، والانتقال إلى طاقة جديدة.. وما هو أكثر من ذلك. ومن أجل هذا، فقد تم التنديد به ووصفه بالماركسي المتطرف الكيني، وبأنه تهديد لنظام الأعمال الحرة في أميركا. وبالنسبة لزوجته ميشيل، فقد مضت من كونها ثورية على المستوى النظري، إلى شبيهة بماري أنطوانيت. حتى ان عملها المهم على مستوى مكافحة البدانة، تعرض للسخرية باعتباره إحياء لـ «دولة مربيات الأطفال»!

لقد ظلت السياسة الأميركية دائماً صاخبة، ولكن شجار الأزقة الحزبي والإيديولوجي يصرف النظر عن المعركة الحقيقية، التي تدور بين الإصلاحات وبين المصالح الراسخة وجماعات الضغط التابعة لها. ينبغي أن يسند الفضل لأوباما والكونغرس الأخير، في إحراز التقدم الذي تم تحقيقه، ولكن ليس هناك شك في أن المصالح وفرت الحماية للإعانات والامتيازات الممنوحة لها.

وبالمثل، فإن الهجمات الشخصية على ميشيل أوباما ليست جديرة بالازدراء، فهي تقلل من شأن العمل الذي تقوم به إزاء داء اجتماعي وواقعي مكلف للغاية، وهو انتشار البدانة. فهناك طفل تقريباً من كل ثلاثة أطفال يعاني من زيادة الوزن أو السمنة، مع وجود المخاطر المصاحبة لأمراض القلب والسرطان، وفي أغلب الأحيان مرض السكري. فقد تضاعفت معدلات البدانة بين الأطفال إلى ثلاث مرات منذ عام ‬1980، وتزداد بشكل متسارع، حالات دخول الأطفال إلى المستشفيات للعلاج من البدانة والحالات المصاحبة لها.

لقد دافعت ميشيل أوباما عن كل من المسؤولية الشخصية (في ما يتعلق بتغيير حمايتنا الغذائية)، والتغيرات في القانون، والتي من شأنها أن تزيد دقة المعايير الغذائية للأغذية التي تباع في المدارس (بما في ذلك وجبات الغداء المدرسية وأجهزة البيع). فبالنسبة لقانون تغذية الطفل الذي دفعت ميشيل أوباما من أجل تمريره، نجد أنه يتطلب من المدارس أن تقدم المزيد من الفواكه والخضروات ومنتجات الألبان قليلة الدسم، ويوفر تمويلاً إضافياً لتلك المدارس التي تقوم بذلك. وبالإضافة إلى الجهود التي تبذلها سيدة أميركا الأولى من أجل زيادة الوعي بمخاطر السمنة، فإن هذا يعتبر عملاً جاداً وطيباً لمعالجة مشكلة قومية مهمة. ينبغي أن يتم الاحتفاء بها، وليس توجيه السخرية إلى هذا الجهد.

إننا لا يمكننا أن نسمح للثوابت الأيديولوجية، بأن تعمي أبصارنا عن الاحتياجات القومية الأساسية في أميركا. ولا يمكننا أن نسمح للمعارك الحزبية بأن تزيغ أبصارنا عن الخطر الحقيقي، وهو أننا لن تكون لدينا حكومة تتسم بالكفاءة ولا أسواق تنافسية، وإنما مجمعات صناعية قوية تحد من المنافسة وتستولي على أموال دافعي الضرائب.

فلو أن أميركا سوف تستمر في التراجع، فإن ذلك لن يكون بسبب إصلاحات أوباما، بل لأن شركات النفط الكبرى، وشركات الأدوية، والشركات العالمية، و«وول ستريت»، تمكنت من كسب حلفاء في كلا الطرفين لوقف الإصلاحات التي تحتاج إليها البلاد بشدة.

إننا ننشد بشكل روتيني بالغ «ليبارك الله أميركا»، وكأن سلوكنا تجاه بعضنا البعض يبرر ذلك! ينبغي علينا أن نسعى لنستحق النعمة والرحمة.

دعونا نضع المبدأ الجمهوري فوق الجمهوريين والديمقراطي فوق الديمقراطيين، ونسلط بعض الضوء على الشوط الذي قطعناه، والمدى الذي يتعين علينا المضي إليه.

 

Email