صورة رمادية للحياة في أفغانستان

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

انتابت وزير الداخلية الأفغاني حنيف عتمار، حالة هياج، فقد كانت صحيفة أميركية على وشك نشر مقالة تشوه سمعة بلاده. وانطلق إلى سفارة الولايات المتحدة في كابول، وطالب الدبلوماسيين هناك بوقف نشر هذه المقالة، وهو غير مدرك، كما يبدو، مفهوم حرية الصحافة.

لا، لم تكن المقالة تدور حول الفساد المستشري في أفغانستان، والمعاملة الوحشية للنساء، أو الإهمال الغافل عن مواطنيها الذين يعيشون تحت ظروف العصور الوسطى، فجميع هذه التقارير قديمة.

هذه المرة، طلبت شركة المقاولات الأميركية «داينكورب انترناشونال»، من الشرطة الافغانية «شراء خدمة من صبي»، حسبما كشفت برقية لوزارة الخارجية الأميركية نشرها موقع ويكيليكس، وكانت الفكرة هي إقامة حفل يحييه «الأطفال الراقصون» للعاملين في شركة «داينكورب».

وهذه العادة الأفغانية لاستغلال الأطفال، غير معروفة جيدا في الولايات المتحدة. ومن الواضح، رغم ذلك، أن الأميركيين العاملين في أفغانستان على علم جيد بهذه الممارسة، واعتقدت شركة «داينكورب» على ما يبدو أن الأمر قد يكون مسلياً، إذا وظفت الصبي الراقص في الترفيه عن موظفي الشركة الذين يوشكون على مغادرة البلاد، حتى أنهم قاموا بتصويرها، كما قالت برقية وزارة الخارجية. وكان هذا في ربيع عام ‬2009.

وبالإضافة إلى كون هذا العمل مروعاً، فهو أيضا إشارة قوية إلى استمرار منعطف آخر قاتم في الحرب الأفغانية. فبعد مرور ‬10 سنوات تقريبا هناك، فإن الأميركيين المتمركزين في هذا البلد يشرعون في تقليد بعض الممارسات المستهجنة في المجتمع الأفغاني. تصف مراسلات أخرى نشرها موقع ويكيليكس، كيف أن الفساد يمتد من قاع المجتمع إلى قمته، ويقتحم كل جانب من جوانب الحياة في أفغانستان. ويشير المفتش العام في وزارة الخارجية الأميركية ووكالات إنفاذ القانون، بإصبع الاتهام إلى أعداد قياسية من الجنود والمقاولين الضالعين في تقديم أو تلقي رشاوى سخية.

وقد ظهرت أمثلة من هذا النوع على مدى الأشهر القليلة الماضية، منها حالتان لاثنين من العسكريين وأربعة مقاولين، اتهموا بالرشوة والتآمر وحصلوا من خلالهما على ‬100 ألف دولار. واعتقل أحد العاملين في سلاح المهندسين في الجيش الأميركي، بتهمة تقاضي رشوة بـ‬40 ألف دولار. وتم توجيه الاتهام إلى اثنين من ضباط الجيش لقبولهما رشوة بـ‬90 ألف دولار. وتقاسم جنديان رشوة بـ‬50 ألف دولار، لتوجيه عملية مقاولات خاصة لإحدى شركات المقاولات الدفاعية. وتمثل هذه عينة صغيرة من حوادث عديدة مماثلة. فعندما تجد أن كل من حولك يسرقون ويرتشون، فلا بد أنك تجد من الصعوبة أن تقاوم.

يجب على الرئيس الأميركي باراك أوباما التركيز على كل هذا، عندما يقوم بعملية المراجعة للحرب في أفغانستان. وبدلاً من ذلك، فإنني أراهن على أن كل ما سوف نسمعه هو: الجيش يحرز تقدما.

عندما زار عتمار السفارة الأميركية، ووصف مشكلة داينكورب، أصيب الدبلوماسيون الأميركيون «بالفزع»، بحسب ما قال لي أحد كبار المسؤولين الأميركيين، مضيفا: «كي أكون صريحاً، هذه الأنواع من الرقصات تحدث طوال الوقت، ولكن عندما تقدم للأجانب، فإنها تصبح أكثر مدعاة للقلق «. وهذا ما قصدته بالضبط.

وجاء في البرقية أن مساعد السفير الأميركي «جوزيف موسوميلي»، قال لعتمار إن محاولة الحديث مع الصحافية كاتبة المقالة لإقناعها بعدم نشره، «يعطيها الانطباع بأن هناك موضوعاً رهيباً على نحو أكبر». وقال عتمار لـ «موسوميلي» إن وزارته اعتقلت اثنين من رجال الشرطة الافغانية وتسعة أفغانيين آخرين، واتهمتهم بأنهم «وسطاء» لصالح «داينكورب» (بعد مرور شهور، خسر عتمار وظيفته لفشله في منع المسلحين من فتح النار على اجتماع تمت الدعوة إليه للنظر في ما اذا كان سيتم البدء في محادثات السلام مع حركة طالبان).

وقال المتحدث باسم «داينكورب» للصحافيين، إن «قيادة الفريق قدمت تقييما ضعيفاً وتم إنهاء خدمتها نتيجة لذلك»، مضيفا أنه: «لم يحدث أي تصرف غير مشروع». وحسبما يعرف أي شخص، يقوم الصبي بالرقص، ربما بطريقة ما إيحائية، ولكن لم يحدث شيء يتسم بالانحراف.

في الشهر التالي، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية مقالة مخففة حول الحدث. قالت الصحافية إنه تم توظيف الصبي لأداء «رقصة قبلية» لأحد المكرمين في الجماعة، من خلال الرقص «حول موظف داينكورب الذي يجلس على كرسي بمفرده». ولم تظهر المقالة أي دليل على أن الكاتبة تفهم الغرض الفعلي من الرقص. ولكن، وكما قال لي أحد كبار المسؤولين الأميركيين، فإن «فكرة وجود صبي الرقص تستحضر جميع أنواع الصور المخيفة، ولم يكن هذا أمراً ينبغي التغاضي عنه».

Email