بحر قزوين والخلافات حول ثرواته

ت + ت - الحجم الطبيعي

على ما يبدو أن الخلافات حول تقسيم ثروات بحر قزوين بين الدول الخمس الواقعة على البحر (روسيا وإيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمنستان) لا نهاية لها في المستقبل المنظور، رغم عشرات الجلسات والاجتماعات على مختلف المستويات بين دول المنطقة على مدى عقدين منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، هذه الجلسات التي كشفت عن حدة الخلافات، وكشفت أيضاً عن نوايا أجنبية لعسكرة بحر قزوين والسيطرة عليه وعلى ثرواته النفطية، ويأتي هذا الحديث بمناسبة بداية فريق العمل المكلف بوضع قانون جديد بشأن بحر قزوين اجتماعا جديدا في موسكو الأسبوع الماضي. ويضم الفريق نواب وزراء خارجية الدول المطلة على بحر قزوين: روسيا وأذربيجان وكازاخستان وتركمانيا وإيران.

في زمن الاتحاد السوفييتي لم تكن هناك مشاكل حول ثروات بحر قزوين الذي كانت تمتلكه وتحيط به دولتان فقط هما إيران والاتحاد السوفييتي، وينظم العلاقات حول البحر بينهما اتفاقيتان ثنائيتان، الأولى عام 1921 والثانية عام 1940، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال جمهورياته ظهرت ثلاث دول جديدة على شواطئه هي أذربيجان وكازاخستان وتركمنستان إلى جانب روسيا وإيران، ومع اختلاف طول سواحل الدول الخمس على البحر المغلق بينهما بلا منافذ على بحار أخرى اندلعت المشاكل بينهم، وخاصة المشاكل القانونية حول تحديد الوضع القانوني للبحر، وهل هو بحر فيخضع لقواعد البحار حسب القانون البحري الدولي ويقسم حسب طول سواحل الدول، أم أنه بحيرة مغلقة فيتم تقسيم ثرواته بالتساوي بين الدول الخمس الواقعة عليه بحيث تنال كل دولة 20% منه، وتطالب إيران بالمقترح الثاني كبحيرة مغلقة نظرا لأن سواحلها لا يزيد طولها عن 11%.

بينما تصمم أذربيجان وكازاخستان على المقترح الأول كبحر حيث تحتل الأولى 23% والثانية 30% من السواحل، بينما الأمر بالنسبة لروسيا لا يفرق كثيرا حيث تحتل 19% من السواحل، وأيضا تركمنستان التي تحتل 17%، وقد كانت روسيا تؤيد في التسعينات إيران في موقفها ولدواعي سياسية أكثر منها اقتصادية، إذ كانت موسكو تسعى لكسب الجمهورية الإسلامية المعادية لأميركا لصفها، ولكن بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001، وبروز نوايا واشنطن في الهيمنة على بحر قزوين ووسط آسيا وتقربها بشكل واضح من أذربيجان وكازاخستان رأت موسكو أن من الأفضل لها استراتيجيا أن تدعم الموقف الأذربيجاني والكازاخي حتى تفوت الفرصة على واشنطن، خاصة وأن موسكو في كلتا الحالتين لن تخسر شيئا اقتصاديا، كما أنها لن تخسر إيران التي تتصاعد حدة خلافاتها مع واشنطن والغرب بسبب البرنامج النووي الذي تشرف عليه روسيا.

التقرير السنوي الاستراتيجي لمجلس الأمن القومي الأميركي يرجح أن الصراع حول بحر قزوين ممكن أن يصل إلى حد النزاعات المسلحة، وربط التقرير بين بحر قزوين في الشمال والخليج العربي في الجنوب كنقطتي حصار على إيران، وأشار التقرير إلى ضرورة الاهتمام بأذربيجان كنقطة انتشار للقواعد والقوات العسكرية الأميركية في البحر وعلى اليابس نظراً لموقعها العازل بين روسيا وإيران، وبدأت واشنطن في زرع الخلافات بين أذربيجان وإيران مستغلة في ذلك دعم إيران لجمهورية أرمينيا في نزاعها مع أذربيجان حول إقليم « ناجورنا كاراباخ «، ودفعت الولايات المتحدة باستثمارات هائلة تعدت العشرين مليار دولار في قطاع النفط في أذربيجان في بحر قزوين حتى تحثها على الاستمرار في موقفها المضاد لإيران حول تقسيم ثروات البحر.

ورغم اعتراضات موسكو الشديدة على أي تواجد عسكري أميركي في منطقة بحر قزوين، إلا أن أذربيجان دعت خبراء عسكريين أميركيين قاموا بوضع محطات رادار حديثة في بحر قزوين قامت بالتشويش على محطات رادار روسية موجودة في البحر منذ عام 1985 ضمن منظومة الإنذار الروسية التي أعدت للكشف عن أي هجوم صاروخي موجه لروسيا من الجنوب، الأمر الذي دعا روسيا إلى طرح مبادرتها على الدول الخمس المطلة على بحر قزوين والتي طالبت فيها بعدم وجود أي قوات عسكرية أجنبية في حوض البحر، وقال وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف محذرا « إنه من السهل دعوة قوات أجنبية للمنطقة ولكن التجارب أثبتت أنه من الصعب بعد ذلك إخراج هذه القوات الأجنبية".

وأصبح بحر قزوين في بؤرة اهتمام المزيد من الدول وباقي العالم. ونشأت حاجة إلى قانون ينظم اقتسام البحر بين الدول الخمس، ويحدد وضعه القانوني، وينظم استغلال ثرواته النفطية والسمكية. ولأن الدراسات أظهرت وجود ثروة نفطية وسمكية ضخمة في بحر قزوين فقد تحدثت التوقعات عن أن دول المنطقة وغيرها من الدول ستتنافس على ثرواته وقد يكون هناك صراع مسلح. وإزاء ذلك أقدمت الدول الخمس على إعداد اتفاقية من شأنها أن تمكّن الدول المعنية من حل هذه القضايا بالوسائل السلمية. وأدى تدخل بعض الدول الخارجية، وعلى الأخص الولايات المتحدة الأميركية، إلى تعقيد أكثر للأمور. وأكدت وزارة الخارجية الأميركية في تقرير نشرته في آذار (مارس) الماضي أن الولايات المتحدة تدخل بحر قزوين في قائمة أولويات سياستها، وتستمر في مساعدة دول المنطقة، وعلى الأخص أذربيجان وكازاخستان وتركمانيا، على تأمين بحر قزوين من خلال تقوية جيوشها.

Email