عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم حالة الإحباط الشديد التي يمكن تلمسها في الشارع العربي في بلدان الربيع العربي وخصوصاً في مصر وتونس وليبيا التي شهدت ثورات أطاحت بأنظمة حكم ديكتاتورية واستبدادية، يمكن الجزم أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء على الرغم من عدم استقرار أوضاع هذه الدول أمنياً واقتصادياً.

عملية التغيير التي يشهدها الشارع العربي ستكون عملية طويلة وستتسم في مراحل عديدة منها بالفوضى، خاصة أن الأنظمة الاستبدادية التي حكمت لعقود طويلة تركت وراءها ما يسمى بالدولة العميقة التي ستستغل حالة عدم الرضا لدى الشارع لما أنجزته الثورات وكل مظهر من مظاهر الفوضى المجتمعية لمحاولة استعادة نفوذها وما خسرته بعد ثورات الربيع العربي .

أحد أهم أسباب الأزمات السياسية التي تشهدها دول الربيع العربي الصراع الذي يدور بين الأطراف السياسية التي ورثت الأنظمة التي جرى الإطاحة بها، حيث يحاول كل طرف سياسي تجبير الثورة وإنجازاتها لصالح برامجه وأفكاره ورؤاه، فعقلية الإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر ما زالت مهيمنة على المشهد السياسي في أكثر من بلد عربي، وتتسبّب في إيقاع البلاد في صراعات طاحنة تؤدي إلى الفشل في تحقيق مطالب الثورات العربية في التغيير وإقامة دولة القانون والمؤسسات.

لقد ذاق المواطن العربي بفضل ثورات الربيع العربي طعم الحريّة وعرف مفهوم دولة المؤسسات والقانون والمساواة وأهمية المحاسبة والمكاشفة والشفافية وعرف حقوقه كاملة

وقطع عهده مع أنظمة الاستبداد والديكتاتورية التي لا يمكن لها، مهما بلغت الانتكاسات،

أن تستعيد مواقعها. لكن المرحلة التي تمر بها دول الربيع العربي قد تستمر لسنوات طويلة حتى تنضج التجربة ويتحقق الاستقرار.

إن الشعوب العربية وفئة الشباب الفاعلة بها خاصة، مطالبة الآن بعد اصطراع الصدامات بين القوى السياسية المختلفة التي تشهدها أكثر من ساحة عربية باستعادة زمام المبادرة وحشد الشعوب للعودة إلى روح الثورات العربية التي رفعت مطالب الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

إن عجز الأطراف السياسية عن الحوار واستخدامها للغة العنف كوسيلة لفرض رؤيتها وبرنامجها طريق يقود إلى الفوضى وهو طريق لا يمكن أن يُحقق هدف التغيير وتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية التي خرجت من أجله الشعوب إلى الشوارع والميادين.
 

Email