مواقف الغرب تحددها المصالح فقط

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم التاريخ الواضح للمواقف الغربية المتذبذبة تجاه القضايا العربية، لا يزال البعض يعتقد خطأ أن هناك "أخلاقيات" معينة تحكم علاقات الغرب مع قضايا الشعوب. الحقيقة بكل بساطة أن هذه "الأخلاقيات" لا توجد إلا في البيانات والخطابات الرسمية الغربية وفي أذهان من يصدقونها فقط، وأن ما يحكم العلاقات بين دول الغرب وغيرها من الدول هو المصالح فقط، ولذلك فإن نظرة بسيطة إلى التاريخ الحديث يمكن أن تكشف عن تناقضات مشينة في السياسات الخارجية لهذه الدول.


على سبيل المثال، منذ يومين فقط، كشفت إحدى الصحف البريطانية أن الحكومة البريطانية باعت أسلحة تصل قيمتها إلى حوالي 20 مليار دولار إلى حكومات موجودة على القائمة السوداء البريطانية لأسباب تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم حرب وغير ذلك. هذا الكشف يعتبر غيضا من فيض في سلسلة الفضائح التي تبرز بين الحين والآخر لتبين زيف المواقف "المبدئية" و"الإنسانية" للحكومة البريطانية وغيرها من الحكومات الغربية.


مواقف الدول الغربية من الأزمة في سورية يعطي دليلا آخر على نفاق هذه الدول وزيف الشعارات التي ترفعها. السياسة الخارجية الغربية تجاه الأزمة السورية يمكن وصفها بأنها سلسلة من المواقف التي بدأت بـ"الإغراء" وانتهت بـ"الهجران"، بحسب وصف أحد المراقبين الأميركيين. بريطانيا منذ البداية كانت تؤيد المعارضة السورية، وكانت أكثر المتحمسين لتسليح هذه المعارضة، لكنها تخلت فجأة عن هذا المسار لدرجة جعلت أحد قادة الجيش الحر يتهمها بالخيانة.

الرئيس أوباما أطلق في 18 أغسطس، 2011 نداءه الشهير بأنه "حان الوقت ليتنحى الرئيس الأسد". بعد ذلك تولت السلطات الأميركية المختلفة، بما في ذلك الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية، رعاية المعارضة السورية والتعاون معها من خلال تقديم التدريب والمساعدة. وفي 13 يونيو الماضي، أعلن البيت الأبيض أن أميركا ستقدم السلاح للمعارضة السورية لأن النظام السوري عبر "الخط الأحمر" باستخدامه أسلحة كيماوية. ولكن اتضح فيما بعد أن خطط الإدارة الأميركية محدودة وهي لا تستطيع في الحقيقة أن تفي بوعدها.


على الدول العربية أن تعي هذه الحقيقة جيدا وتضع خططها اعتمادا على إمكانياتها وما تمتلكه فعلا على الأرض، بعيدا عن الوعود الغربية التي يمكن أن تتغير بين يوم وليلة مع تغير المصالح والمعطيات.


لقد آن للشعوب العربية أن تعي أن مصلحتها تقتضي التعاون الإقليمي فيما بينها بالدرجة الأولى والابتعاد عن التناحر والاقتتال والعداء. فالسياسات الخارجية والحلفاء يتغيرون، أما الجغرافيا فلا يمكن أن تتغير.
 

Email