الاستنجاد الإسرائيلي بأوروبا ..لماذا؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد انطلاق المفاوضات وبدء ما يسمى عملية السلام وتوقيع اتفاقيات أوسلو على أثرها، ظلت الولايات المتحدة وبإصرار من حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني هي الراعي للمفاوضات، وهي المتحكم بأطراف ما يسمى عملية السلام، ولم يكن للآخرين مكان ممن حاولوا البحث عن دور لهم، سواء كانوا صادقين في نياتهم، أو شهود زور وفي إطار متطلبات كاتب السيناريو المحتل الصهيوني ومتطلبات المخرج الأميركي لمسيرة التفاوض. وحين حاولت قوى لها وزنها السياسي والاقتصادي، سواء على مستوى قارة كما هو حال أوروبا، أو على مستوى دول فاعلة مثلما هو حال روسيا الاتحادية الدخول كطرف في تقريب وجهات النظر بين الجانبين الفلسطيني والمحتل الصهيوني جوبهت محاولتهما من قبل الاحتلال الصهيوني، من منطلق لا يحق لأحد أن يكون طرفًا في ذلك سوى الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة.

اليوم وبعد خمس جولات مكوكية لجون كيري وزير الخارجية الأميركي في المنطقة للبحث عن مقاربات حقيقية تسمح باستئناف المفاوضات، لا يزال الوزير يواجه عقبات وتعنتًا من قبل كيان الاحتلال الصهيوني، رافضًا موجبات الاستئناف، وفي الأنباء أن كيري غادر بخفي حنين بسبب الصلف والتمرد الصهيوني على ربيبه وحليفه الأميركي. إلا أنه ورغم ذلك هناك ما يثير علامات استفهام كثيرة، هو طلب بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال من الاتحاد الأوروبي دعم جهود كيري وأن الكيان المحتل "مستعد للجلوس في خيمة المفاوضات إلى حين تصاعد الدخان الأبيض لكن من دون وضع أي عراقيل"؟ على أن السؤال الأهم هو: لماذا يتم تقديم الطلب الصهيوني إلى أوروبا للتدخل الآن ولدعم جهود كيري، بينما يعتبر المحتلون دور أوروبا ثانويًّا أو "كومبارس"؟ ألم يكن الحليف الأميركي قادرًا على اجتراح الحلول وفتح مغاليقها؟

 لا بد من ربط الأسباب بمسبباتها والأحداث بمحدثاتها لفهم ألاعيب السياسيين الصهاينة وأساليبهم ومراوغاتهم، إذ إن طلب الدعم جاء بُعيْد أمرين مهمين: الأول: الخشية من إقدام الاتحاد الأوروبي على مقاطعة شاملة لمنتجات المستعمرات والمغتصبات الفلسطينية، ما سيؤثر بشكل أو آخر على الوضع الاقتصادي من ناحية، ومن ناحية أخرى ما سيتسبب في إحراج لكيان الاحتلال الصهيوني وإبرازه للرأي العام الأوروبي أنه هو المعطل الحقيقي للحل السلمي، وليس الجانب الفلسطيني، وهذا ما يفسر قول وزيرة العدل الصهيونية تسيبي ليفني في مؤتمر للمحاسبين في إيلات "لا يمكننا التعامل مع المسائل الاقتصادية وتجاهل المسألة السياسية وأهمية حل الدولتين"، مشيرة إلى أن "أوروبا تقاطع البضائع. وصحيح أنها بدأت بالمستوطنات ولكن مشكلتهم هي مع "إسرائيل" التي يعتبرونها دولة استيطانية ولن يقتصر الأمر على المستوطنات فحسب، بل سيصل "إسرائيل" كلها". أما الأمر الثاني فهو التصور الصهيوني أن بإمكان الاتحاد الأوروبي ممارسة الدعم المطلوب لجهود كيري من خلال الضغط على الجانب الفلسطيني، ومنبع هذا التصور أن الاتحاد الأوروبي يحظى بتقدير من قبل الفلسطينيين من زاوية الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، التي تعاني من أزمات مالية بسبب تراكم الديون عليها (السلطة الفلسطينية).

النتيجة المطلقة من كل هذه المواقف الصهيونية والأدوار الأميركية أن هذين الجانبين ليسا على استعداد لتقديم شيء للفلسطينيين سوى أحلام ووعود جوفاء، لاستهلاك الوقت لتغيير الوقائع على الأرض والتهام كامل الضفة الغربية، بحيث لا يتبقى غير قطاع غزة، بل إن الأدوار الأميركية باتت مكشوفة من حيث إنها لا تتحرك إلا في إطار تحقيق ما تسعى إليه الولايات المتحدة من مشاريع ومخططات، ولا يكون منطلقها سوى القضية الفلسطينية والشواهد على ذلك كثيرة.

Email