بعد أن حققوا أهدافهم!

ت + ت - الحجم الطبيعي

"لا صوت يعلو فوق صوت المصالح" هذه الرسالة كانت ولا تزال وستظل هي المحرك للقوى الامبريالية الاستعمارية الغربية التي من أجل تحقيق هذه الرسالة وأهدافها كما يجب، طورت أعتى الأسلحة الفتاكة وطورت معها أساليبها السياسية والاستخباراتية لأجل أن تكون حيث المصلحة تكون، وللهيمنة على مصائر الشعوب والاستيلاء على ثرواتها ومقدراتها، وللسيطرة على السياسة الدولية والإمساك بزمام القرار الدولي.

وفي طليعة الدول التي اكتوت بنيران هذه القوى الامبريالية الاستعمارية الغربية الدول العربية التي تقف شعوبها شاهدة على حجم فداحة الأدوار والتدخلات العسكرية الامبريالية الغربية والتي دفعت أثمانًا باهظة من تدمير فكري ومعرفي وثقافي وسيكولوجي وبيولوجي وتنموي، وإبادة ممنهجة في سبيل نهب الثروات والسيطرة على المقدرات، فازدحمت الأرض العربية التي طالتها نيران القوى الامبريالية الاستعمارية بالمقابر.

وفي الوقت الذي تغرق فيه الأرض العربية بأنهار الدماء كانت مصافي قوى الاستعمار الغربية تغرق بمصادر الطاقة من النفط والغاز، وكانت تروس اقتصاداتها تدور بخيرات الأرض العربية، فيما بقي أصحاب الأرض العربية المستعمرة تنهش أجسادهم قنابل طائرات الفانتوم وطائرات "بي 52" وصواريخ كروز، وقذائف الدبابات، ومن شاءت أقداره أن يسلم من هذه الآلة الوحشية لم يسلم من أنياب الجوع والفقر والحرمان من الدواء والغذاء بسبب العقوبات الاقتصادية الصارمة الظالمة، ولم يسلم كذلك من الأمراض الخطيرة والمزمنة والخبيثة التي تسببت بها الغازات السامة واليورانيوم المنضب.


ولعل في العراق أبرز برهان على الأدوار والتدخلات القذرة، وعلى الوحشية التي مارستها القوى الامبريالية الاستعمارية الغربية بقديمها وجديدها ضد بلاد الرافدين لتدمير الإنسان العراقي من جميع النواحي، واستلاب أرضه ونهب ثرواته ومقدراته، وسيرًا على هذا السعي لجأت هذه القوى الاستعمارية تارة إلى الأساليب القذرة ونصب الفخاخ والشراك، وتارة من مدخل المبادئ الأخلاقية "الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان"، والتستر بأقنعتها، وتارة أخرى عبر التهويل والتضخيم واختلاق أفلام الخيال العلمي كما حصل في ملف أسلحة الدمار الشامل المزعومة، وما واكب ذلك من تضخيم لهذه الفرية وتهويلها لإثارة الرأي العام العالمي وبث الرعب.


ومثلما كانت العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لتكون مقدمة لإنهاكه وإضعافه ومن ثم الانقضاض عليه لاحقًا والاستيلاء على ثرواته وإخراجه من معادلة التوازنات الإقليمية، بل وسلخه عن جسده العربي، ها هو العراق يتم إخراجه من الفصل السابع بعد ثلاثة وعشرين عامًا، وبعد أن تحقق الهدف من الإدراج، حيث تم النفوذ والهيمنة الغربية والأميركية على العراق سياسيا واقتصاديا وأمنيا، ولإعطاء هذه البلدان قدرة أكثر على توسيع دائرة مصالحها، وفق هذا التقدير فقط يمكن فهم هرولة مجلس الأمن الدولي نحو التصويت بالإجماع أمس على قرار رفع العراق من تحت الفصل السابع. وقراره إنهاء التدابير المنصوص عليها في بعض فقرات القرارات الدولية التي تبناها المجلس إثر غزو العراق لدولة الكويت.


العراق يخرج من الفصل السابع بناء على الإرادة ذاتها التي أدخلته فيه، ولكن بعد ماذا؟!.. بعد أن حول الاحتلال العراق خرابًا يبابًا، وبذر فيه بذور الطائفية، وجلب إليه الجماعات الإرهابية والتكفيرية وقواها، وأحدث جرحًا غائرًا في جسد المجتمع العراقي، ولا يزال هذا الجسد غير مستجيب لكل أنواع الأدوية المستخدمة لعلاجه، فيما خلايا التكفير والإرهاب السرطانية تواصل الفتك بهذا الجسد، ويتواصل معها سقوط الضحايا وحمامات الدماء، وبموازاة ذلك يستمر تدفق النفط العراقي في مصافي القوى الغازية الامبريالية.


نعم، بعد خراب مالطا، يخرج العراق من الفصل السابع، إلا أنه يمثل إنجازًا يمكنه من بناء علاقات سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية وغيرها، ويعزز سيادته التي كانت منقوصة، ويحصنه من التدخلات الأجنبية، ومن المؤكد أن إنهاء هذا الملف يعني عودة علاقات جوار طبيعية وطيبة مع جارته الكويت.
 

Email