لقد اعتادوا الصفع!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يصر كيان الاحتلال الصهيوني على تقديم الأدلة والبراهين على عدم رغبته في الانخراط في عملية السلام بشكل جدي وإنجاحها، تبدأ باستئناف المفاوضات المتوقفة وفق الأسس اللازمة لعملية الاستئناف وفي مقدمتها وقف الاستيطان، وبالتالي أصبحت كل أفعال المحتل الصهيوني تصب في خانة التعطيل والتعقيد. ودائمًا ما يبرهن على عدم هذه الرغبة لكونها نهجًا ثابتًا في السياسة الاحتلالية للكيان الصهيوني، خاصة عندما تحين لحظة استحقاق أو محاولة طرف ما بذل جهده لإحياء عملية السلام أو تهيئة الأجواء للبدء بمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني، رغم المحاباة والتدليل الذي يلاقيه من الذين نصبوا أنفسهم رعاة للعملية السلمية، ولا هدف من وراء كل ذلك سوى إفشال الجهود المبذولة، وإبقاء جميع الأطراف الساعية إلى تحقيق السلام ـ إذا أحسنا الظن فيها ـ في الحلقة المفرغة تدور حول نفسها، بينما كيان الاحتلال الصهيوني يواصل تنفيذ مشاريعه وتحقيق أحلامه التلمودية والاستمرار في التهام الأرض الفلسطينية وتهويدها، متخذًا لتبرير هذه الجريمة وهذا السطو حججًا واهية وأكاذيب مفضوحة تؤكد كذبه وتملصه ورفضه أي حل يرضي الطرفين، مثل زعمه "منع أعمال إرهابية"، و"مواكبة النمو السكاني" في المستعمرات والمغتصبات.

وتعبيرًا من كيان الاحتلال الصهيوني عن تحلله من أي التزامات واجبة، أكد رئيس حكومة الاحتلال المتطرف بنيامين نتنياهو رفضه ما أسماه "دفع ثمن" للفلسطينيين مقابل عودتهم للمفاوضات، نافيًا في الوقت ذاته ما تردد عن تفاهم مع جون كيري وزير الخارجية الأميركي يتمثل في "استعداد حكومة الاحتلال تجميد الاستيطان والإفراج عن أسرى مقابل تنازل الجانب الفلسطيني عن مبدأ حدود 67 كأساس للمفاوضات". بل إن حكومة الاحتلال الصهيوني وفي أبلغ رد منها ترد به على وزير خارجية حليفها الاستراتيجي الولايات المتحدة وفي أوقح استقبال تستقبل به كيري الذي يزمع الاجتماع مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأردن غدًا الجمعة، إعلان حكومة الاحتلال عن سرقة جديدة ببناء 69 وحدة سكنية في جبل أبو غنيم بالقدس الشرقية المحتلة.

وهذه الصفعة ليست بجديدة على كيان الاحتلال الصهيوني يوجهها على وجه حليفه الاستراتيجي الأميركي الذي يبدو أدمن الصفع، بل ويقبل أن يدير خده الآخر ليأخذ حظه من الصفع، فقد سبق أن وجهت مثل هذه الصفعات في وجه جون بايدن نائب الرئيس الأميركي، حين استهل زيارته إلى كيان الاحتلال الصهيوني سعيًا منه لإطلاق المفاوضات غير المباشرة وذلك بإطلاق أكبر مشروع استيطاني في القدس المحتلة، ولمن سبقهما من مسؤولي الإدارة الأميركية. وفي لغة تعبر عن الرضا عن الوضع المؤلم أكد كيري صعوبة الأمر، وصعوبة نجاح مساعيه.

وتأتي هذه السرقة الجديدة أو بالأحرى الصفعة الجديدة بالتزامن مع اقتحام مجموعة من قطعان المستوطنين وعناصر المخابرات الصهيونية صباح أمس المسجد الأقصى المبارك من جهة باب المغاربة وسط حراسة مشددة من قبل شرطة الاحتلال، حيث تحل اليوم الخميس ذكرى مرور سبعة وأربعين عامًا على احتلال وضم مدينة القدس التي لا تزال تئن تحت وطأة التهويد انطلاقًا من الأحلام التلمودية بأن القدس العاصمة الأبدية لما يسمى "الدولة اليهودية"، حيث يتعرض المسجد الأقصى الشريف لهجمة شرسة وممنهجة بنخر أساساته، سعيًا من المحتل الصهيوني لتدميره ولإقامة "الهيكل" المزعوم على أنقاضه، مثلما أقام كيانه الغاصب على أرض فلسطين التاريخية، ومن المؤسف أن تحل ذكرى اغتصاب القدس والعرب والمسلمون تم تقسيمهم إلى طوائف ومذاهب متناحرة لإشغالهم وإبعادهم عن مقدساتهم الإسلامية في فلسطين المحتلة، التي بدل أن يوظفوا فتاواهم وخطبهم وتحريضاتهم وأموالهم و"جهادهم" و"نفيرهم" لإنقاذ القدس والمسجد الأقصى والشعب الفلسطيني، اتجهوا إلى تدمير أنفسهم ذاتيًّا، موفرين على عدوهم الأوحد الجهد والوقت والمال ليفنيهم عن بكرة أبيهم.

Email