الحكومة الاسرائيلية تتباعد عن السلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الواضح أن الحكومة الاسرائيلية الحالية، وهي في تركيبتها تضم أغلبية من اليمين النشط والمتطرف وأقلية من الوسط الخامل لا تريد الخروج من الوضع المريح الراهن الذي يتيح لها مواصلة الاحتلال وتوسيع المستوطنات، وبدأت تكشف عن حقيقتها المناوئة للسلام في تصريحات تتصف بتحدي إرادة المجتمع الدولي، ولا تبالي بأي ردود فعل دولية من أي جهة صدرت.

وفي الوقت الذي يبدأ فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري جولة أخرى من جولاته المكوكية غدا، فإن المراقبين يتوقعون أن تكون مهمته بالغة الصعوبة في ضوء التصريحات الرسمية الاسرائيلية التي ترفض علنا حل الدولتين وتدعو لتكريس الاحتلال تحت يافطة ما تسمى بأرض اسرائيل الكبرى".

وزراء أو نواب وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو استبقوا زيارة كيري بتصريحات رفضوا فيها حل الدولتين لأنه يعني إقامة دولة فلسطينية. ومهما كانت مواصفات هذه الدولة فلن تروق لهم لأن كلمة "دولة فلسطينية" تؤرقهم وتزعجهم وتلقي بظلالها الثقيلة على مخططاتهم الاحتلالية والاستيطانية.

ومن هنا فإن جولة كيري الوشيكة ستواجه بمقاومة عنيدة من جانب المسؤولين الاسرائيليين الذين استطابوا حالة اللاسلم واللاحرب الحالية ووجدوا فيها فرصة لبناء الآلاف من الوحدات السكنية الاستيطانية وهدم المئات من البيوت الفلسطينية والاستيلاء على عشرات غيرها خصوصا في مدينة القدس وفي محيطها. ويجري هذا كله في ظل صمت دولي مريب، وفي نطاق عجز عربي منشغل بالتطورات الداخلية القطرية- هذا مع أنه في وقت الهدوء الداخلي لتلك الدول الشقيقة لم تكن لها الفعالية والتحرك الضروري لوقف الممارسات الاسرائيلية، والاستفادة من الإمكانات السياسية والاقتصادية الهائلة للعالم العربي في مشاغلة مفاتيح الضغط والتأثير العالمية على اسرائيل.

ومع أن الجانب الفلسطيني بلغ أقصى درجات ما يسمى بالمرونة السياسية ولم يعد هناك ما يمكن طلبه من الفلسطينيين أكثر مما قدموه بالفعل سوى الجلوس بجوار المفاوضين الاسرائيليين وليس قبالتهم، فإن القوى الدولية ومنها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتعاملان مع الفلسطينيين والاسرائيليين بنفس اللغة والمصطلحات من نوع "تنازلات مؤلمة" و "قرارات جريئة" وما أشبههما. فما هي التنازلات المؤلمة التي يمكن للفلسطينيين تقديمها بعد أن اعترفوا باسرائيل في حدود تضم ٧٨ في المائة من أرض فلسطين التاريخية؟ وما هي القرارات التي يمكن أن توصف بأنها أكثر جرأة من ذلك الاعتراف غير المسبوق في تاريخ الشعب الفلسطيني؟.

وهل ما يزال العالم يجهل أن الحكومة الاسرائيلية هي التي تباعدت وابتعدت آلاف الكيلومترات عن "عملية السلام"- هذا إن كانت آمنت بها واعتبرتها خيارها الاستراتيجي أصلا، وفي يوم من الأيام؟ أم إن المجتمع الدولي يدرك تلك الحقيقة الواضحة لكنه يعمل على إرضاء اسرائيل ويتسامح مع سياساتها الاحتلالية والاستيطانية؟.

في كل الأحوال هناك محاباة دولية لاسرائيل، وهناك تجاهل لحقوق الشعب الفلسطيني لكن هذا الواقع قابل للتغيير وليس حكما من أحكام القدر التي لا ترد. وبيد الفلسطينيين من خلال توحدهم وتكاتفهم ووضع حد للانقسام الكارثي قلب الصورة وزيادة ثقلهم في المعادلة الإقليمية والدولية.
 

Email