لبنان.. عودة إلى مربع السبعينات

ت + ت - الحجم الطبيعي

حدث ما حذّر منه العقلاء منذ اندلاع الثورة السورية، من أن لبنان قد يُستدرج إلى نزاعات داخلية، إن غامر حزب الله وقرّر المشاركة العسكرية في حماية نظام بشار.

صيدا الآن تشتعل كما اشتعلت طرابلس من قبل، ولكن مواجهات صيدا تأخذ منحى آخر، هذه المرة الجيش اللبناني في مواجهة فصيل سلفي أضرم النار على الجنود اللبنانيين في نقطة تفتيش، بسبب احتجاز أحد أنصار أحمد الأسير، الذي تحاصره قوات الجيش بمؤازرة الأجهزة الأمنية الأخرى في أحد مساجد صيدا.

عدد القتلى في الاشتباكات الشرسة أمس بلغ 12 جندياً، مقابل 5 من أنصار جماعة الأسير على الأقل، أما المصابون فقد بلغ عددهم حوالى 60 شخصاً. هذه الأعداد تكفي للقول إن لبنان دخل مرحلة خطرة من الصراعات الطائفية والسياسية بسبب تداعيات الأزمة السورية ومشاركة حزب الله فيها. حذّر الرئيس ميشال سليمان حسن نصر الله من آثار التدخل في سورية، لكن الأخير رفض الاستماع لصوت العقل، ولم يؤثر مصلحة اللبنانيين على مصالح حزبه وداعميه، وقد رأينا آثار مغامراته الحمقاء في طرابلس، وها هي اليوم تنفجر في صيدا، حيث تبادل إطلاق الرصاص والقذائف الصاروخية، وخسارة العشرات من الأرواح، والمزيد من الإصابات والانقسامات الطائفية والحزبية.

لقد حذّر المراقبون كثيراً من استدراج الفصائل والأحزاب اللبنانية إلى مستنقع النزاعات والحروب الأهلية، حاولوا تذكير اللبنانيين بتلك الصراعات والانقسامات الداخلية التي اندلعت في سبعينات القرن المنصرم، غير أن مشكلة عربية في الأساس قدّر لها أن تتركز في لبنان؛ وهي أن النخب والفصائل الحزبية والسياسية لا تعي التاريخ جيداً، ولا تستفيد من تجاربها وأخطائها السابقة، وربما لا تساندها الشعوب في ذلك حتى "يقع الفأس في الرأس"، كما يقال.

مشكلة لبنان السياسية معقّدة أشد التعقيد، فحزب الله بات دولة داخل دولة، لا أحد يستطيع ثنيه أو احتواءه أو معارضة نهجه في مغامراته الداخلية والخارجية، بدأت الفصائل المعارضة لحزب الله تعبّر عن احتقانها وعدائها له ولنفوذه داخل وخارج لبنان، بالطريقة ذاتها التي ينتهجها هذا الحزب، إذ لا توجد مرجعية وطنية واحدة تعود إليها الأطراف كافة وقت الأزمات، لأن هيبة الدولة اللبنانية القائمة على المحاصصة الطائفية سقطت، فاختار الجميع لغة السلاح وفرضها على الواقع. وكأنّ لبنان قد قطع على نفسه عهداً بأن استقراره رهن باستقرار جيرانه، وهو رهان خاسر بالطبع.
 

Email