التنمية الاجتماعية نهج سامٍ

ت + ت - الحجم الطبيعي

 التنمية الاجتماعية والبشرية والاهتمام بكل ما هو إنساني أو متعلق بالإنسان في المجتمع هو توجه عماني أصيل، حيث شكل ـ ولا يزال ـ الاهتمام بالإنسان العماني هدفًا أساسيًّا لدى مؤسس نهضة عُمان الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ الذي أكد أهمية التنمية البشرية والاجتماعية في أكثر من مناسبة وكان آخرها كلمة جلالته السامية العام الماضي في افتتاح مجلس عُمان التي شدد فيها على "أنه كان لا بد في سبيل تحقيق التنمية البشرية والاجتماعية في كل مناطق السلطنة المترامية الأطراف من إنشاء بنية أساسية قوية ترتكز عليها خطط التنمية وبرامجها خاصة في مجالات التعليم والصحة والتدريب والتأهيل وإيجاد فرص العمل المتنوعة. فبدون هذه البنية الأساسية لم يكن بالإمكان أن تصل التنمية البشرية والاجتماعية إلى التجمعات السكانية في المدن والقرى والسهول والجبال وفي بطون الأودية وفيافي الصحاري الواسعة".

وتعد أسر الضمان الاجتماعي إحدى الشرائح التي يجب أن تعنى بالرعاية وذلك لاعتبارات كثيرة منها إنسانية واقتصادية ومادية تتطلب التدخل المباشر من قبل الحكومة لتقديم العون اللازم لكونها أحد مكونات المجتمع، لها حقوق مثلما عليها واجبات. وما من شك في أنه يومًا بعد يوم تبرز صعوبة الموازنة بين الحفاظ على مستوى الحياة الكريمة لمحدودي الدخل وبين تفاعلات قوى السوق التي تتجه اتجاهًا صعوديًّا باستمرار بما يضفي صعوبات متوالية على الشرائح ذات الدخل المحدود، ما يفترض التدخل ليس بتقديم الدعم أو الضمان المادي، وإنما أيضًا بتشجيع العمل التطوعي والخيري وتشجيع مشروعات الرزق ودعمها.

وتأكيدًا لدوره الحيوي في صناعة القرار السياسي، وانطلاقًا من الشعور بالمسؤولية تجاه مسيرة التنمية بشكل عام وبخاصة التنمية الاجتماعية والبشرية استضاف مجلس الشورى أمس معالي الشيخ محمد بن سعيد الكلباني وزير التنمية الاجتماعية الذي تناول في بيانه أربعة محاور تمثلت في الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية والعمل الاجتماعي والجمعيات.

ولما كانت أسر الضمان الاجتماعي أكثر الفئات الاجتماعية احتياجًا للمساندة، لم تألُ الحكومة ـ بفضل الأوامر والتوجيهات السامية ـ جهدًا في تقديم الدعم اللازم من خلال معاش شهري يُعِين هذه الأسر على مصاعب الحياة اليومية، وكذلك توفير المزايا والتسهيلات الاجتماعية والسكنية. وليس بخافٍ أن الحكومة تواجه تحديات في هذا الإطار كزيادة أعداد أسر الضمان الاجتماعي أو زيادة عدد أفرادها، وكذلك استمرار المعاش رغم وجود القريب الملزم القادر على الإنفاق من خلال عمله أو وظيفته، ولذلك لا بد أن تقف كافة الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة جنبًا إلى جنب وتنسق جهودها لمواجهة هذه التحديات والتغلب عليها، فالمزايا المادية أو المالية وحدها لا تكفي لتجسيد جهود الحكومة لرفع مستوى هذه الفئات، لذا فإنه من الأهمية بمكان وفي سبيل الخروج من الاعتماد المطلق على الراتب الشهري، أن تجد عناصر التشجيع الأخرى المحفزات الحقيقية والمتابعة المستمرة والتنسيق المتواصل من قبل جميع المؤسسات الحكومية والخاصة، ومن بين عناصر التشجيع تلك، مشروعات موارد الرزق كممارسة أنشطة تجارية لبعض أعضاء هذه الأسر ومنحهم امتيازات تعينهم على النجاح في هذا المضمار عن طريق منحهم الأراضي السكنية والمشروعات التجارية بميزات تفضيلية نسبية، وهذا ما تقوم به وزارة التنمية وبالتنسيق مع بقية الجهات، غير أنه لا بد من تعزيزه. كما أن هناك جهودًا تقوم بها الوزارة والجهات الحكومية لتخفيف بعض الرسوم أو إتاحة فرص المنح التعليمية أو تحسين ظروف بعض ذوي الاحتياجات الخاصة كتوفير وسائل انتقال أو أدوات مساعدة على الحركة، فالهدف أن يكون منتسبو هذه الشريحة أعضاء فاعلة وإيجابية في حركة المجتمع وليس مجرد منتفعين، فتأهيل أبنائهم يرفع مهارتهم الأدائية في مجالات التجارة والصناعة، ورعاية المواهب القادرة على الابتكار والإبداع يسمح بإنتاج طاقات إضافية لعناصر الإنتاج في المجتمع، وغيرها الكثير من الجهود الطيبة في هذا السياق.

على المقلب الآخر، لا بد أن تتضافر الجهود نحو تشجيع العمل التطوعي والخيري وعمل الجمعيات الخيرية، وتنسيق هذه الجهود وفق تشريعات وقوانين واضحة، خاصة وأن المواطن العماني يتميز بالعطاء والتكافل الاجتماعي والتعاون ولا يدخر جهدًا في سبيل مساعدة شقيقه وكل من يحتاج العون والمساعدة، وبالتالي فإن صدور اللائحة الخاصة بعمل الجمعيات والعمل التطوعي مهم حتى لا تموت في نفس المواطن هذه الجوانب الإنسانية الخيرة والصفات النبيلة، وفيما يخص مراكز الوفاء الاجتماعي من الضروري النظر في الكوادر التي تدير هذه المراكز وتأهيلها وتعيينها وصرف راتب لها حقًّا وتقديرًا لجهودها وتشجيعًا لدورها الوطني.

Email