ثمن فادح لأعمال العنف الإجرامي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس من المبالغة في شيء القول إن المنطقة العربية تجد نفسها الآن غارقة في دوامات عنف إجرامي بشع، متداخلة ومتقاطعة الأهداف والأساليب، ولكنها جميعها تهز بعنف أمن واستقرار دول وشعوب المنطقة من ناحية، وتسهم – في جانب منها على الأقل – في استمرار تشويه صورة الإسلام والعرب والمسلمين على امتداد العالم من ناحية ثانية، ومن ثم إجبار دول المنطقة وشعوبها على دفع ثمن فادح لممارسات تنظيمات ومجموعات وميليشيات تحمل معها العنف والخراب والدمار أينما حلت وارتحلت، بغض النظر عن مواقفها وطروحاتها ومنطلقاتها، التي تحاول الترويج لها وخداع الجميع بها.


واذا كان العنف الإجرامي الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر انتهاكاتها المتواصلة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يتم من جانب قوة محتلة ضد شعب تحتل أراضيه بالقوة المسلحة، فإنه لا يعادل هذا العنف الإجرامي، بل ربما يفوقه أحيانا، تلك الممارسات الإجرامية التي تجري في أكثر من بلد عربي، وغيرعربي، وضد مواطنين أبرياء، لا ذنب لهم إلا وجودهم بالصدفة في مواقع التفجيرات التي اختار الإرهابيون لتفجير أنفسهم بها.

أو تفجير سيارات مفخخة فيها، أو وضع قنابل داخلها، بما في ذلك حافلات تنقل طالبات علم، ومدارس تقدم العلم، ومؤسسات إغاثة تسعى لمساعدة المتضررين من الحروب، بما في ذلك استهداف أناس يبحثون عن لقمة عيش، أو يحاولون شراء مواد غذائية لأطفالهم، أو لاجئين يهرولون هربا للنجاة بأطفالهم من عمليات قصف مجنونة تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، دون وازع أو ضمير.


الأمثلة عديدة ومتنوعة، وما يبعث على الأسى أن لجوء طرف إلى العنف يدفع أطرافا أخرى إلى الممارسة ذاتها، وهو ما وسع من دائرة الأعمال الإجرامية المجنونة، التي لا تخرج عن مجرد القتل، فهذه الأعمال الإجرامية لا تفيد أحدا بالتأكيد، ولكنها فقط تشيع الخوف والهلع، وتبث الفوضى وتزيد انفلات الأمن، وتثير المزيد من المشكلات بين مختلف القوى السياسية والدينية والطائفية، وتقسم المجتمعات وتعمق الخلافات بين أبنائها.


وذلك كله وغيره لا يمكن أن يحل مشكلة، ولا يسهم في التقريب بين الفرقاء للتفاهم حول إيجاد مخرج لخلافاتهم المتجددة. والأكثر من ذلك أنها تشوه صورة العرب والمسلمين على امتداد العالم، وتزيد التوجس منهم والقلق حيالهم في المجتمعات الأخرى بسبب مثل تلك الممارسات اللاإنسانية، والتي تتعارض مع روح الإسلام وسماحته، وحثه على التعايش وعلى الحوار والجدال بالحسنى.


وفي حين تمثل أعمال العنف الإجرامي – بكل أنواعها – إدانة بالغة لكل من يقومون بها، أو يسهمون على أي نحو في التخطيط لها وتنفيذها، فإنها تمثل أيضا اعتداء صارخا على القيم والمبادئ الإنسانية، وعلى حق الآخرين في الحياة وفي العيش في أمن وسلام، ويصل بؤس تلك الممارسات إلى غايته مع فشلها في حل أي مشكلة، أو تقديم أي شيء يمكن أن يفيد، فما تخلفه هى صورة الوحشية والهمجية والتخلف والاستهانة بالحياة وأرواح البشر، وبالطبع الإساءة البالغة للإسلام، وهل هناك أبشع من ذلك؟
 

Email