الرئيس الايراني الجديد وفرصة عودة المياه الى مجاريها

ت + ت - الحجم الطبيعي

على وقع العديد من التحديات التي لا تزال تعترض السياسة الإيرانية على أكثر من صعيد وملف، وبعد ثمانية أعوام من الشد والجذب مع ما تسمى قوى المجتمع الدولي أثناء حكم (المحافظين) في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مالت كفة الترجيح لدى الشعب الإيراني هذه المرة إلى (الإصلاحيين) آتيًا بالشيخ حسن روحاني عبر صناديق الاقتراع وفي انتخابات حرة وصفت بالشفافية، ليقود الجمهورية الإسلامية في هذه المرحلة الدقيقة، وفي ظل تجاذبات ارتفعت درجة التسخين فيها إلى درجة الغليان، ويتطلع الشعب الإيراني إلى أن يواصل الرئيس المنتخب قيادة بلاده وسط الأمواج السياسية العاتية والمتغيرات المتوالية قيادة تتحاشى أي اصطدام يكلفها الكثير من الإنجازات التي اكتسبتها طوال السنين الماضية.

وفي أول مؤتمر صحفي له بعد انتخابه أمس حدد الرئيس المنتخب حسن الروحاني برنامج عمل حكومته، حيث كان واضحًا في رؤيته بضرورة تطوير العلاقات مع دول الجوار لا سيما دول الخليج العربي والبلدان العربية الأخرى وتعزيز هذه العلاقات، مؤكدًا أن لهذه العلاقات أهمية استراتيجية، انطلاقًا من روابط الأخوة التي تجمعها وتوثقها العقيدة الإسلامية بجانب بقية القواسم المشتركة من تاريخ وجغرافيا وثقافة وجوار، وبذلك يكون الرئيس روحاني قد حدد الطريق الذي تريد أن تسلكه حكومته حيث ترغب أن تلتقي مع الآخرين، سواء كانوا أشقاء أو أصدقاء أو غير ذلك، فاتحًا الأبواب أمام الجميع للتقارب والانفتاح على الآخر من قاعدة الثقة المتبادلة التي يجب أن ترسى أولًا، وكذلك الاحترام المتبادل والشفافية والوضوح في التعامل، خاصة فيما يتعلق بالملفات العالقة كالملف النووي، وكذلك الاتهام بالتدخل في الشأن الداخلي وزعزعة أمن الخليج.

إن هذه الطريق التي حددها الرئيس الايراني القادم تؤسس لقاعدة يمكن الانطلاق منها مجددًا نحو حلحلة القضايا وتبديد الهواجس، وفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية ـ الإيرانية وتحديدا الخليجية ـ الإيرانية وفق القواعد التي حددها، وعدم ترك الساحة مرتعًا للقوى الامبريالية الاستعمارية الغربية التي ثبتت تدخلاتها ومنذ عقود خلت وإلى الآن، خاصة لإفشال أي تقارب حقيقي أو قيام علاقات إخوة صادقة وصافية، حيث عمدت هذه القوى الامبريالية إلى تعميق القطيعة بين الدول العربية وجارتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية من مداخل متعددة، وليس اليوم أشد وطأ وأكثر خطورة من الفتنة الطائفية، وبذر بذور الفرقة والعداء التي تهدد المنطقة بحريق هائل يأتي على المنطقة بأسرها ولن يترك حجرًا على حجر، وليس هناك مستفيد ورابح من هذه الفتنة سوى هذه القوى الامبريالية الاستعمارية لتضمن بقاءها في المنطقة وسيطرتها على ثرواتها، وتمكين كيان الاحتلال الصهيوني وبقاءه القوة الأوحد في المنطقة، وتدمير أي قوة صاعدة من أجل ذلك، كما أن هذه الفتنة وزعزعة مناخات الثقة تبدت أهدافها أيضًا في ابتزاز الدول العربية بتضخيم الخطر الإيراني من أجل استنزاف الموارد العربية عبر صفقات سلاح أميركي يتم تكديسه في مخازنه، ولا يمكن استخدامه إلا في نطاقات ضيقة وربما مقيد استخدامه بشروط من قبل دولة المصدر.

إن هذه المنطقة دفعت الغالي والنفيس بسبب تدخلات القوى الامبريالية الاستعمارية الغربية، على حساب ثرواتها وطاقاتها وتنميتها وتقدمها وتطورها، ويراد لها أن تستمر في هذا النزيف والتراجع، ولذلك فإن بذل الجهد وإظهار روح المسؤولية من قبل كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن الدول العربية جميعًا لإعادة المياه إلى مجاريها الطبيعية وإبداء المحفزات في ظل الرئاسة الإيرانية الإصلاحية الجديدة، يمثل فرصة مواتية على الأقل بالنسبة إلى بعض الدول العربية التي كانت تنظر إلى الرئاسة الايرانية السابقة بشيء من الريبة، والتي هي الأخرى كانت تنظر إلى تلك الدول العربية النظرة ذاتها.

 

Email