تخريجات "السلام" الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا جدال أن المتغيرات التي شهدتها المنطقة والتي مالت إلى الفوضى أسهمت بشكل لافت في مضاعفة حالتي الانتكاس والتراجع اللتين تتحكمان في ما يخص الصراع العربي ـ الصهيوني، لدرجة باتت المنطقة على أعتاب صراع طائفي بديل، نتيجة نجاح كيان الاحتلال الصهيوني المدعوم من الغرب والمتحالف معه في توجيه دفة ما سُمِّي زورًا "الربيع العربي" باتجاه تنفيذ المشروع الصهيو ـ أميركي القاضي بتقسيم المنطقة إلى كانتونات متناحرة من مدخل بث بذور الطائفية المقيتة وتأجيج الفتن بين أتباع الطوائف والمذاهب.


ويمثل استغلال الوضع القائم على الصراع البديل أهمية قصوى في تغيير ما عمل عليه كيان الاحتلال الصهيوني منذ عقود وهو إقامة كيان يهودي محتل، يسمح له تاليًا بتهجير جميع الفلسطينيين والعرب من داخل ما يسمى بـ"الخط الأخضر" وخارجه، كنتيجة لذلك، ولم ينفك قادة الاحتلال مسنودين بتحالفاتهم الاستراتيجية مع القوى الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة عن ابتداع الأساليب والوسائل التي تتراوح بين التهديد والترغيب لإجبار الفلسطينيين على الاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة".


ولذلك لا نستغرب أن يعمل جون كيري وزير الخارجية الأميركي على هذا الأساس من بوابة الإلحاح على الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات، مقابل إغراءات اقتصادية سميت "السلام الاقتصادي" الذي أيضًا عمل من أجله ولا يزال العرَّاب توني بلير مبعوث اللجنة الرباعية الدولية. وفكرة "السلام الاقتصادي" المزعوم هذه، تتساوق مع أفكار المتطرف بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الذي يطالب الجانب الفلسطيني بالاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة" والتعاون الأمني؛ أي تحول الفلسطينيين إلى حماة لأمن قطعان المستوطنين، مقابل "سلام اقتصادي أو تنمية اقتصادية"، مع تواصل الاستيطان الذي أكد حوله المتطرف نتنياهو في كلمة له أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست.

أن كيان الاحتلال سيواصل البناء في المستوطنات خلال المفاوضات، التي يأمل نتنياهو أن ينجح كيري في إعادة إحيائها، زاعمًا أن "الاستيطان في الكتل الاستيطانية لا يغير جوهريًّا، القدرة على الوصول إلى تسوية"، مضيفًا: السؤال الجوهري هو إذا كانت توجد أم لا توجد إرادة لقبول "الدولة اليهودية"؟ كما لا نستغرب أن يأتي التهديد من قبل نائب وزير الحرب الصهيوني داني دانون بأن لا حل سياسيًّا مع الفلسطينيين، ولا حل لدولتين، وأن حكومة الاحتلال غير ملتزمة بهذه التسوية إذا ما طرحت على هذا الأساس للتصويت عليها، فإنها سترفضها، وإنما الحل الممكن إسرائيليًّا هو الحل الأمني ومواصلة الاستيطان إلى الحدود التي يستطيع كيا الاحتلال أن يصل إليها.


والواضح أن الجميع بدءًا بحكومة الاحتلال بعصاباتها، مرورًا بجون كيري وقبله سلفه هيلاري كلينتون التي رأت لا غضاضة من تواصل الاستيطان واستئناف المفاوضات في آن واحد، وانتهاءً بتوني بلير، متفقون على الرؤية الصهيونية فيما يخص ملف الصراع، وما يساعدهم اليوم بالتأكيد على هذا التنكر والتنمر والإصرار على اغتصاب الحق الفلسطيني، هو حالة الانقسام الفلسطيني التي أصبحت تعد من عجائب هذا العصر، وكذلك فوضى الوضع العربي التي من يتعاون معهم في إدارتها محسوبون على القضايا العربية وأولها القضية الفلسطينية للأسف الشديد.


وعليه ليس مثيرًا للعجب أن يطرح كيان الاحتلال الصهيوني مشروع سرقة جديدًا للأراضي الفلسطينية في شمال الضفة الغربية، فمشاريع السرقة عبر الاستيطان هذه، ترجمة عملية لما يصرح به قادة الاحتلال من رفض لفكرة الحل السياسي وتحديدًا حل الدولتين، ما دامت الجهود الحالية ترتكز على سلام اقتصادي وحلول أمنية.


إن ما يمكن أن يفهم منه من تخريجات "السلام" الأميركي الذي أخذ يرتحل من محطة إلى أخرى من الأرض مقابل السلام، والأرض مقابل الأمن، وخريطة الطريق وحل الدولتين والسلام الاقتصادي، هو تمييع القضية الفلسطينية، ولا ندري ما يمكن أن يأتي به الرئيس الأميركي القادم.

 

Email