حتى لا تظل جولات كيري ... عبثية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تردد ان وزير الخارجية الاميركي جون كيري كان من المقرر ان يصل اليوم الى المنطقة في جولة جديدة من جولاته المكوكية، الا ان الرئاسة اوضحت انه لم يؤجل موعد زيارته ولكنه حتى اليوم لم يحدد لها موعدا، اي انه قد يكون قادما الينا في الايام القادمة القريبة.

لقد بدا كيري متحمسا للغاية لموضوع المعضلة الاساسية في المنطقة وهي القضية الفلسطينية وزارنا حتى الآن ما لا يقل عن اربع مرات، وكان في كل مرة يستمع ويناقش ويقدم المقترحات ويطلب من الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي تقديم ايضاحات او ردود على ما هو معروض، على امل ان يجد منفذا يستطيع من خلاله اعادة الروح الى المفاوضات على افتراض ان ذلك قد يشكل بداية التوصل الى حل سياسي يحاول تحقيقه.

وللحقيقة فانه لم يستطيع تحقيق ولو خطوة صغيرة، وكان تركيزه الاساسي على الجوانب الاقتصادية والوعود بالرضاء المعيشي والوظيفي بالضفة، دون ان يتطرق كما هو معلن، الى المشكلة الحقيقية وهي استمرار الاستيطان بالضفة والتهويد بالقدس ورفض اسرائيل المبدئي لمرجعية الحل على اساس حدود ١٩٦٧ مع تبادل متفق عليه للاراضي والافراج عن الاسرى ولاسيما القدامى منهم الذين يقبعون خلف القضبان منذ مرحلة ما قبل اتفاق اوسلو.

لقد استجابت القيادة الفلسطينية لمبدأ التفاوض واكدت وما تزال تؤكد، ان المفاوضات هي خيارها الوحيد اذا توقف الاستيطان. وفي المقابل كانت الردود الاسرائيلية مناقضة لكل متطلبات السلام العادل: لقد رفضوا وقف الاستيطان والعودة الى حدود حزيران ١٩٦٧ وواصلوا تهويد القدس، وكان معدل الاستيطان منذ بداية هذا العام اكثر من اية فترة منذ سبع سنوات. بل ان رئيس وزراء اسرائيل يدعي ان ما يسميه شروط السلطة الوطنية لاستئناف المفاوضات هي تعجيزية وان ما يقوم به ليس شروطا ولا تناقضا مع كل المفاهيم السلمية حتى من وجهة نظر اقرب اصدقاء اسرائيل وحلفائها الذين يؤكدون ان الاستيطان غير شرعي وغير بناء ويتعارض مع القانون الدولي.

لقد خبرنا المفاوضات نحو عشرين عاما ودفعنا الثمن غاليا ولم نحقق شيئا سوى ان الجانب الاسرائيلي استغل هذه المرحلة لتعزيز مواقفه التوسعية ومنطقه المتغطرس، وبدأت الارض تضيع تدريجيا والقدس يتم تهويدها وتهجير سكانها.

اذا كان كيري يريد تحقيق تقدم فعليا فانه عليه ان يبدأ بمعالجة القضايا الجوهرية بدل المساعي المتكررة للاتفاق والدوران والبحث عن قضايا شكلية تتعلق بالاقتصاد اساسا. يجب ان يعمل كيري على وقف الاستيطان اولا، وان يقنع اسرائيل حتى لا تقول بجبرها، بالاعتراف بحدود حزيران ١٩٦٧ مرجعية للتفاوض، وساعتها سيجدنا اكثر الناس رغبة في التفاوض ومن خلفنا العالم العربي بمبادرته السلمية المعروفة والمعدلة والمكررة في اكثر من قمة، وبدون ذلك ستظل جولاته عبثية ودون نتائج حقيقية، وستظل المنطقة مزرعة للتطرف والكراهية والعداء بدل العيش المشترك والتعاون والبناء.
 

Email