ذكرى 5 يونيو .. وحرب داحس والغبراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

 يوم الرابع من يونيو (حزيران) لم يكن يومًا عاديًّا في التاريخ العربي بصورة عامة، والتاريخ الفلسطيني بصورة خاصة والذي حلت ذكراه السادسة والأربعون أمس.

إن هذا التاريخ كان له صداه وفعله الكبير في القلوب والمشاعر العربية الجياشة في العام 1967م، حين أتى الاحتلال الصهيوني الغاشم على ما تبقى من الحق للشعب الفلسطيني بعد أن التهم أرض فلسطين التاريخية في نكبة عام 1948م، فكان آنذاك النَّفَسُ العروبي في ذرى عليائه، وكانت مشاعر الاعتزاز بالمبادئ والقيم والكرامة والعزة ورفض الظلم والاحتلال، ورفض جرائم الحرب والفظائع بحق الشقيق الفلسطيني تتجلى في أنصع صورها، والتسابق نحو تقديم التضحيات في أروع مشاهده، حيث لم يكن للمواطن العربي طرق إلا طريق واحد، وهو الطريق إلى فلسطين ومناصرة الشقيق الفلسطيني ورفع الضيم والحيف عنه، ومنع تكالب الاستعمار على هذه الأمة، والألسن تلهج "فلسطين داري ودرب انتصاري"، فكانت الوحدة العربية شامخة بشموخ الإنسان العربي في تلك الفترة، وراسخة برسوخ الجبال الشماء في الدول العربية، وسط مظاهر الصمود والإصرار على نزع الخنجر المسموم الذي غرزه الاستعمار في الخاصرة العربية.

وعلى الرغم من النكسة في الخامس من يونيو، فإن نفْسَ المواطن العربي لم تصب بالانكسار والهوان، ولم تَلِنْ عزيمته، ولم ينحنِ إصراره، بل تحلَّت بذات العزيمة والإرادة والإصرار وتمسكت بالحق العربي، وكانت لاءات الخرطوم الشهيرة (لا تفاوض، لا صلح، لا اعتراف) بالكيان الصهيوني هي الرد العملي على نتائج الحرب، وقد استجمعت الأمة العربية قواها، ممثلة في طليعتها مصر عبدالناصر ومن ورائها سوريا وبقية أقطار الأمة في تضامن تاريخي نادر، لتعاود الكرَّة رافعة شعار "الحق عائد ولو بعد حين، وما ضاع حق وراءه مطالب"، فكانت البداية إعادة بناء ما دمره العدوان الصهيوني وإزالة آثاره، وفي المقدمة إعادة بناء القوات المسلحة، ومن ثم شن حرب الاستنزاف، تمهيدًا لحرب استعادة الحقوق.

لقد مرت أمس الذكرى السادسة والأربعون للنكسة، لكنها غابت عن الإعلام العربي أو أغلبه، مثلما غابت القضية الفلسطينية من دائرة الاهتمام العربي الرسمي ويتم إلحاق الشعبي به، في ظل ما يسمى "الربيع العربي"، بل حولت القضية إلى سلعة في لعبة تنازلات جالبة لنكسات أو مؤذنة بتوالي نكبات ونكسات في أكثر من قطر عربي، وإذا كان الوطن العربي من محيطه إلى خليجه يعيش نكبة واحدة، فها هو اليوم يعيش نكبات، وإذا كان هناك شعب عربي واحد مهجر مشرد وهو الشعب الفلسطيني، تكالبت عليه قوى الاستعمار واستباحت حقوقه كاملة، فإن أغلب الشعوب العربية اليوم مستباحة حقوقها وثرواتها وفي الملاجئ والشتات والمنافي، وإذا كانت الأمة العربية تؤمن بالقواسم المشتركة وهي العادات والتقاليد والدين والتاريخ المشترك، وتتمسك بها، فإنها اليوم عبارة عن طوائف ومذاهب شتى متناحرة متقاتلة، في عملية استعادة لقيم الجاهلية وحروبها الشهيرة كحرب داحس والغبراء، نزولًا عند رغبة قوى الاستعمار بقديمه وجديده وخدمة لعدو الأمة كيان الاحتلال الصهيوني. 
 
 

Email