الذكرى الـ32 .. المطلوب خليجيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

 يمثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية تجربة ناجحة في العمل المشترك بين دوله الأعضاء، فقد حفلت تجربته، مستفيدة من التجارب على الصعيدين الإقليمية والدولي، بمحاولات جادة لبلورة محددات وإطارات وقواسم مشتركة بهدف تعزيز أواصر العلاقة بين دول المجلس انطلاقًا من منظومة القيم والسمات المشتركة التي تجمع شعوب دول التعاون وأيضًا انطلاقًا من الشعور المشترك بوحدة المصير السياسي والاقتصادي.
وإذا كان مجلس التعاون يفخر بما حققه من مكتسبات ومنجزات وهو يحتفل بالذكرى الثانية والثلاثين من عمره التي حلت أمس، فإنه من المهم تقييم مسيرة المجلس التي تحتاج باستمرار إلى وقفة تقييم للإيجابيات والسلبيات التي نتجت عن التجربة.

لا أحد ينكر ما حققته دول مجلس التعاون الخليجي في إطار منظومة المجلس من أهداف في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والرياضية والاجتماعية، ولا أحد يمكنه إنكار الإصرار الكبير والعزم الأكيد اللذين يبديهما أصحاب الجلالة والسمو قادة المجلس في سبيل استمرار هذه المنظومة والحفاظ على كينونتها ودوامها، وإعطائها العوامل التي تجعل منها منظومة مؤثرة ومتفاعلة مع محيطها ومستفيدة من عوامل النجاح لدى المنظومات الأخرى، خاصة وأن دول المجلس تستشعر قيمة الجغرافيا التي تتموضع عليها، والدور الكبير الذي تلعبه ثرواتها في منظومة الاقتصاد العالمي، الأمر الذي مكن المجلس رغم التحديات من التعامل بمسؤولية مع التحديات التي واكبت سنوات قيامه في العام 1981م، إلا أنه وفي ظل أحداث ما يسمى "الربيع العربي" كان الدور الملحوظ لمجلس التعاون في ما شهدته ولاتزال بعض الدول العربية من حراكات وفوضى وإرهاب، يسترعي الانتباه ويدعو إلى إجراء تقييم ورصد لنقاط الصواب والخطأ ومعالجة نقاط الخطأ. قد تكون في السابق المثالب والسلبيات بسيطة جدًّا قياسًا بحجم الإنجازات على مختلف الصعد.

غير أن إجراء مراجعة شاملة وسريعة مطلوب لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والمعيشي والاجتماعي. ولذلك نقول إذا كان ما توصل إليه مجلس التعاون من منجزات استغرق وقتًا طويلًا نسبيًّا، فإن حرص قادة دول المجلس على تمحيص كل خطوة قبل اتخاذها مثلما كان ينبغي أن يكون، خاصة وأن مسيرة التعاون العربي بشكل عام أو الاندماج أو الوحدة قد شهدت اخفاقات احتشدت في اللاشعور الجمعي للعرب ليفرخ إحساسًا باستحالة تحقيق الوحدة العربية، يضاف إلى ذلك كثرة التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية للبلدان العربية، ومن هنا تتضح أهمية الحرص على تحقيق عوامل النجاح لمسيرة مجلس التعاون والحفاظ عليها، وعدم الانجرار وراء أطماع وأهواء أطراف خارجية لا تتمنى للعرب قوة أو وحدة، بل وتحاربها، ولذلك فإن لغة العقل والمنطق والحوار يجب أن تكون المرتكزات للسياسة الخارجية الخليجية في إطار المجلس، وخاصة فيما يتعلق بالقضايا العربية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، تحت أي مبرر، وذلك لسد أبواب الذرائع في وجه الآخر، للتدخل في شؤوننا الداخلية.

Email