انتفاضة المقدسيين ٠٠٠دروس وعبر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإحتلال يوظف كل اجهزته ومستوياته السياسية والعسكرية والأمنية والقضائية والشرطية، وكذلك عصاباته من جمعيات ومؤسسات إستيطانية ومستوطنين في حربه الشاملة التي يشنها على المقدسيين، ولقد بلغت إعتداءات المستوطنين وقياداتهم السياسية على المقدسيين ذروتها، في الذكرى السادسة والأربعين للضم القسري لمدينة القدس، حيث حشدت الأحزاب الصهيونية والجمعيات الإستيطانية اكثر من نصف مليون مستوطن لكي يستبيحوا القدس والبلدة القديمة منها ويقوموا باعمال البلطجة والزعرنة والعربدة فيها، ناهيك عن قيام المئات منهم بإقتحام المسجد الأقصى، في تطور خطير جداً وينذر بأن الأوضاع تتجه نحو إرتكاب هؤلاء المستوطنين لمجازر بحق المقدسيين، وانهم يحاولون بمشاركة المستوى السياسي فرض امر واقع في المسجد الأقصى من خلال تقسيمه زمانياً ومكانياً بين المسلمين وبلطجية وزعران المستوطنين.

وقد وقف على رأس تلك الإقتحامات اعضاء كنيست ووزراء من مختلف الوان الطيف السياسي الاسرائيلي في المقدمة منهم "موشيه فيجلين" عضو الكنيست عن الليكود، ولقد اظهر المقدسيون وبالذات الشباب منهم بطولات منقطعة النظير في التصدي لهؤلاء المستوطنين المحروسين من قبل قوات كبيرة من الشرطة والجنود ووحدات المستعربين.

ولقد شكلت هذه العملية وهذا الحجم من الهجمة صدمة كبيرة للمقدسيين، وباتوا يدركون بأن سكوتهم او حياديتهم او النأي بالنفس والسلامة الفردية، سيضعهم امام خيارات الطرد والتهجير عن مدينتهم والإستيلاء على أقصاهم، حيث عمدت حكومة الإحتلال بعد ذلك الى اتخاذ سلسلة من الإجراءات والتشريعات لنقل مخططات تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا بين المقدسيين المسلمين وبين المستوطنين الى واقع فعلي، فمدير عام وزارة الأديان الإسرائيلية اعلن انه بصدد تعديلات على القانون بما يسمح لليهود بالصلاة في "الهيكل" أي في المسجد الأقصى وعضو الكنيست عن الليكود "ميري ريغب" قالت بشكل واضح انها في حالة فوزها برئاسة لجنة الداخلية للكنيست فستشرع بسن القوانين وستتخذ القرارات التي تمكن اليهود من الصلاة في المسجد الأقصى. وكذلك المخططات الأخرى لإيجاد حيز يهودي حول البلدة القديمة والمسجد الأقصى مخططات "زاموش" تجري على قدم وساق حيث تم مؤخراً إفتتاح حديقة "تيدي" التوراتية وكذلك مركز أينشتاين وقطار البراق الهوائي، بالإضافة الى الأعمال الأخرى التي تجري حول البراق وداخله بيت شتراوس ومطاهر الهيكل، وكذلك افتتاح حديقة لليهود تمتد من باب الخليل حتى السلطان سليمان، وأيضاً يجري العمل على إفتتاح مركز ومنتزه لليهود بالقرب من بركة السلطان سليمان القانوني، وهذا يعني العمل على إحادة الأقصى والبلدة القديمة بحدائق توراتية يهودية وشبكة من القطارات الخفيفة من أجل جذب مئات الآلاف من الزوار والسياح اليهود.

اذا المرجل أصبح يغلي وخصوصاً أن المقدسيين باتوا يستشعرون الخطر الجدي على وجودهم وعلى مقدساتهم،فلذلك بدأت تحركات شبابية من اجل إستعادة زمام المبادرة، حيث ان اللطمة التي وجهت للمقدسيين، جعلتهم يفكرون جيداً، وجعلتهم يقولون بصوت عال بأن سياسة الخلاص الفردي والنأي بالنفس، من شأنها أن تزيد من تغول وتوحش الإحتلال على بيوتهم وممتلكاتهم وقدسهم ومقدساتهم، فكانت الذكرى الخامسة والستون ليوم النكبة، حيث كان هذا اليوم في القدس فلسطيني بإمتياز، ولم يكن إحياء هذا اليوم في القدس، مجرد مناسبة طقوسية لكي تتبارى فيها القيادات في الحديث والخطب والشعارات والبلاغة والإنشاء والمزايدة،كما حصل في اكثر من مدينة في الضفة الغربية،بل كان يوم مواجهة وصراع على السيادة في المدينة،حيث الأعلام الفلسطينية وعلم النكبة كانت ترفرف خفاقة في سماء القدس وشوارعها في مسيرة هي الأكبر والأضخم منذ زمن طويل بالقدس، بمشاركة المقدسيين وأهلنا في الداخل الفلسطيني "الجذر"، ورغم شدة القمع وتصديه لتلك المسيرة بقوات كبيرة من الشرطة والجيش والخيالة المدججة بالسلاح وكل ادوات القمع،إلا ان الشبان المقدسيين، سجلوا بطولات يعتز ويفتخر فيها، لجهة كسر حاجز الخوف ومواجهة تلك القوات، وكذلك لطول مدة المواجهة والتي إستمرت ما بين كر وفر لمدة زادت عن ست ساعات متواصلة،وحسم الشارع لصالح المتظاهرين واعلامهم الفلسطينية ورايات النكبة.

وهنا نستطيع القول بأن البطولات التي سجلها الشبان المقدسيون، تؤكد لاتدع مجالاً للشك بأن ما قام به الإحتلال من إجراءات وممارسات ومحاولات لسلخ الشباب المقدسي عن العمل المقاوم والحركة الوطنية، قد ثبت فشله، وأثبت الشبان المقدسيون انهم قادرين على صون عروبة مدينتهم والدفاع عن وجودهم وهويتهم ومقدساتهم، والنتائج المتحققة في هذه المعركة، هي التي دفعت بالإحتلال وزعران المستوطنين، لكي يعيدوا حساباتهم في اليوم التالي، ويعدلوا عن فكرة إقتحام المسجد الأقصى بأعداد كبيرة، كما كانوا يخططون له.

والدروس المستخلصة من المواجهات التي حصلت في ذكرى يوم النكبة في مدينة القدس، أثبتت بان الشباب المقدسي يختزن الكثير من الطاقات والقدرة على العطاء والتضحية،وهم كانوا سابقين للقيادة وكل المرجعيات في الفعل والعمل، وكان واضحاً أن هناك حالة من الهرم والترهل القيادي، وان هذا الشباب بحاجة الى قيادة بحجم تضحياته وعطاءه وملتحمة معه في الميدان، وان هذا الشباب استحق القيادة عن جدارة بحكم فعله وعمله وجهده، ولكن هذا الجهد بحاجة الى تأطير وتنظيم وحوامل وعقل جمعي وصقل تجربة وتوعية.

ووجود الفراغ القيادي في المدينة، قد يجعل من هذا التيار الشبابي قائداً حقيقياً للشارع المقدسي، ولكن هذا الأمر منوط بفعل منظم وواعي وهادف، بعيداً عن العفوية والإرتجالية وغياب الرؤيا والهدف، وإلا فأن هذا التيار والحركة الشبابية ستتفكك وتصبح عرضة للإستغلال والإستنزاف، فالقدس أمام إستهدافات سياسية كبرى، حيث المطروح عربياً وإقليمياً ودولياً تصفية قضية القدس نهائياً، بحيث يحصر الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في المدينة بالقضية الدينية، وهذا الجانب تم تخويل الأردن به، والسلطة في أي مشروع حل دورها في هذا المشروع، ان لا تتحمل مسؤولية التنازل عن القدس لوحدها،ولذلك التشريع سيكون من الجامعة العربية،وهذا الدور تتكفل به قطر والسعودية وتركيا،ويكون دورها السياسي ونفوذها في المناطق المقدسية خارج جدار الفصل العنصري.

أمام هذه المشاريع الخطيرة، مطلوب من المقدسيين قوى وأحزاب وشباب ومؤسسات مجتمع مدني العمل، على إيجاد مرجعية شعبية تصهر كل الطاقات والجهود في بوتقة واحدة، بعيداً عن الأجسام المشكلة،والتي لا تعدو كونها أكثر من"برستيج" وتمارس "الفنتازيا" الفكرية،وكذلك لخصوصية قضية القدس واهميتها،فهي بحاجة الى جسم اوسع من المقدسيين، ولذلك أرى ان تكون لجنة موسعة تضم مقدسيين وأهلنا في الداخل الفلسطيني،لسهولة التواصل والحشد والتعبئة والفعل والتأثير. ما يحدث في القدس من بروفات كفاحية ونضالية وهبات، كما حدث في قضايا الأسرى وبالذات قضية الأسير سامر العيساوي، والان في معركة يوم النكبة، معركة السيادة على القدس، يبنى عليه لمعارك كبرى، سيشنها الإحتلال على المقدسيين بقصد الإجهاز عليهم قريباً.
 

Email