ضربة أخرى لـ «جهود السلام»

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما كشفته صحيفة هآرتس الاسرائيلية أمس من أن الولايات المتحدة الاميركية طلبت من الاتحاد الاوروبي تأجيل وضع علامات على منتجات المستوطنات وأن الاتحاد الاوروبي استجاب لهذا الطلب وقرر التأجيل حتى نهاية حزيران القادم بعد ان كان مقررا اعتماد قرار بهذ الشأن هذا الأسبوع ، يثير العديد من التساؤلات حول المواقف الحقيقية للولايات المتحدة الاميركية إزاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ويقدم دليلا آخر على عدم مصداقية ونزاهة الدور الاميركي فيما يسمى جهود السلام . كما انه يثير تساؤلات حول استقلال اوروبا وقرارها السياسي ومدى جديتها في مواجهة الانتهاكات الاسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي خاصة فيما يتعلق بالاستيطان.

كما أن ما كشفته الصحيفة من أن هذا الموقف الاميركي جاء استجابة لطلب اسرائيلي وأن جون كيري وزير الخارجية الاميركي الذي يفترض ان يقوم بجولة جديدة في المنطقة لحث "جهود السلام" تبنى هذا الطلب الاسرائيلي وقدمه الى كاثرين اشتون وزيرة الشؤون الخارجية في الاتحاد الاوروبي، يعني ايضا ان كيري الذي يفترض به التزام اقصى درجات الموضوعية والحيادية اذا كان معنيا بوساطة نزيهة وبتقدم جهود السلام يقف شخصيا الى جانب اسرائيل بل الى جانب الاستيطان غير المشروع ليحمي هذا الاستيطان ويدافع عنه في المحافل الدولية وهو ما يشكل صفعة مدوية للجانب الفلسطيني او لكل من اعتقد ولا زال يعتقد ان كيري قد يقدم من المواقف ما يمكن ان يسهم في حل القضية الفلسطينية حلا عادلا وشاملا .

ان ما يجب ان يقال هنا ان من المؤسف ان نرى الولايات المتحدة الاميركية تدافع عن الاستيطان غير المشروع وتتبنى مواقف الاحتلال الاسرائيلي وتضرب عرض الحائط بالقانون الدولي وبالشرعية الدولية وتتجاهل الجانب الفلسطيني وتضر بمصالحه وحقوقه في الوقت الذي تدعي فيه انها ملتزمة بتحقيق السلام ورؤية الدولتين.

ومن الواضح ان هذا الموقف الاميركي الذي يتناقض مع ما ترفعه الولايات المتحدة من شعارات حول الحرية والعدالة وحقوق الانسان يضاف الى السجل الكامل للانحياز الاميركي للاحتلال الاسرسرائيلي وللاستيطان غير المشروع وهو ما يجب ان يشعل ضوءا أحمر لدى الجانب الفلسطيني أولا ولدى الأمة العربية وإعادة النظر في حقيقة الدور الاميركي ومطالبة واشنطن بالتراجع عن مثل هذه المواقف وتوضيح موقفها من الاحتلال والاستيطان ، خاصة وان من غير المعقول ان تواصل واشنطن التفرد في قيادة ما يسمى جهود السلام وفي الوقت ذاته تنحاز بهذا الشكل السافر للاحتلال والاستيطان الى درجة ممارسة الضغوط على اوروبا وغيرها من الدول التي تحاول اتخاذ مواقف في مواجهة هذا الاستهتار الاسرائيلي بالشرعية الدولية وبالقانون الدولي .

والسؤال الذي يطرح هنا أيضا هو : كيف سيثق المواطن الفلسطيني والعربي بمصداقية وجدية جهود السلام اذا كانت مثل هذه الجهود تشكل فعلا ستارا لحماية الاستيطان والأطماع التوسعية الاسرائيلية بدل ان تقوم الولايات المتحدة بإزالة العقبات التي تعترض جهود السلام وفي مقدمتها التوسع الاستيطاني .

وفي المحصلة فإن المطلوب إزاء هذا الانحياز الاميركي السافر للاستيطان والاحتلال موقف فلسطيني - عربي موحد ينقل رسالة واضحة لواشنطن مفادها ان جهود السلام لا يمكن ان تتقدم على هذا النحو وان هذا الانحياز الاميركي للاحتلال والاستيطان يوجه ضربة قاضية لأي دور أميركي في عملية السلام ، فمن غير المعقول ولا المقبول ان يكون الفلسطينيون او العرب طرفا في جهود سلام عبثية ومفاوضات عبثية يتضح يوما بعد آخر انها تشكل ستارا للاستيطلان والاحتلال ، وان من الأجدر بواشنطن إلزام حليفها اسرائيل بوقف انتهاكاتها الجسيمة والإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني حتى يمكن تحقيق السلام وحتى يمكن ان تستعيد واشنطن مصداقية دورها في عملية السلام.
 

Email