الأزمات العربية ونشاط التنظيمات المتطرفة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الحروب والأزمات الإقليمية تعد فرصا مناسبة لحضور الجماعات السلفية المتطرفة، وبروز أفكارها وأجنداتها على الواقع، وانتشارها بين الشباب المسلم، وبالأخص العرب منهم.

من أفغانستان إلى العراق وسورية مرورا باليمن وحتى تونس ـ والأخيرة تنشط فيها الآن جماعة أنصار الشريعة ـ تتسرب هذه الجماعات وتنشط، والأسباب متعددة، لعل أبرزها الثقافة الرجعية التي تحكم هذه الجماعات، والتي يتم على أساسها تفسير الأحداث السياسية المتغيرة في العالم العربي والإسلامي، وهي تستند في ذلك على فكر ديني أحادي، يقوم على المفاصلة مع الآخر وإقصائه، وإجهاض العقل المسلم واختزاله في تأويل مدرسة متطرفة لا تراعي ظروف العصر ومتغيراته.. منهج ضدي يتم التعامل عن طريقه مع كل المستجدات التي تطرأ.. منهج لا يعترف إلا بالعنف والإقصاء، وتغيب عنه التعددية في كل مناحي الحياة، لذلك نشأت القاعدة، وتفرعت عنها جماعات لا تقل عنها تطرفا، ويزيد من تعزيز أفكار هذه الجماعات أو الميليشيات، الأزمات السياسية والحضارية التي يعاني منها العرب حاليا، والتدخلات الدولية والإقليمية في الشؤون العربية، كالمشروع الطائفي لإيران وحزب الله في الوقت الحاضر.

دخل تنظيم دولة العراق الإسلامية على الخط في سورية، وبرز على الساحة مؤخرا أكثر من نظيره، جبهة النصرة، مما يهدد مستقبل سورية، ويضع العراقيل أمام أي تسويات دبلوماسية لإنهاء حكم الأسد، وإيقاف نزيف الدم السوري.

المجتمع الدولي يرغب برحيل الأسد، والموقف العربي واضح من هذه الأزمة، ومقاومة نظامه مشروعة، ولكن الأهم ألا تتعدى مقاومة النظام السوري ذلك إلى السعي لإقامة إمارات إسلاموية على غرار طالبان، وهنا ربما تدخل سورية مستقبلا في نفق مظلم قد يطول الخروج منه، والعراق خير شاهد، فهذه الجماعات تصادم الحياة المدنية، وتنتهك أبسط مبادىء حقوق الإنسان، ولا تسمح بالتعددية أو الديموقراطية، ولا تفقه في لغة السياسة حتى أبجدياتها، كما أنها طائفية وتكفيرية حتى النخاع.

يعاني التونسيون الآن في القيروان، أما السوريون فمشغولون برحيل النظام المجرم، وسورية عانت بما فيه الكفاية، ومن الظلم أن تستبدل ديكتاتورية البعث بديكتاتورية أخرى تمارس تسلطها وإرهابها باسم الدين. فهل تعي دول المنطقة ـ قبل المجتمع الدولي ـ خطر الجماعات المتطرفة؟ فالدول العربية، لاعتبارات ثقافية وجغرافية، هي الصيد الثمين والسهل والقريب كذلك لهذه الجماعات، قبل أميركا أو روسيا، أو لنقل العالم بأسره.
 

Email