ثمار سياسة الحكمة والتسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

لكل مجتمع ثقافته ومنظومة القيم الخاصة به، وثقافتنا كجزء من العالمين العربي والإسلامي، تنهض على أساس من التسامح والتراحم والتواصل مع الآخر وتبادل المصالح معه ومعاضدته في أعمال تعود بالخير للبشرية كلها، والتفاهم وتعزيز آلية الحوار السلمي لحل كافة المشكلات التي تعترض سبيل الأهداف الإنسانية الكبرى التي تسعى إلى تحقيقها كافة المؤسسات الدولية كي تعيش البشرية في أمن وأمان وتفاهم ضمن منظومة عيش مشترك تحترم حقوق كافة الأطراف، وتحترم احتياجاتها ومصالحها، حيث انطلقت تلك المثل والقيم والمبادئ من رؤية حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ باعتبارها الأساس المتين الذي تنهض عليه الحياة الإنسانية بكل تجلياتها، ولكونها القاعدة العريضة التي تقوم عليها سبل التنمية والتعايش المستقر والهانئ، ولأهمية التمسك بها في مواجهة الاختلافات ومسبباتها والشقاق وأسبابه، ولذلك لا عجب أن تقوم السياسة العمانية على تلك الأسس والمفاهيم والقيم والمبادئ التي حرصت على إرسائها نهضة عُمان الحديثة ومنذ أن أطلق إشارتها الأولى قائد مسيرتها المظفرة جلالة عاهل البلاد المفدى ـ أيده الله ـ.


ولأن سياستنا الخارجية أخذت هذا المنهج من التسامح، لذلك كان التماس بعض التنازل من كافة الأطراف لتقريب وجهات النظر والتوصل إلى حلول ناجعة للمشكلات المثارة أمرًا مهمًّا، وقدمت بلادنا المثل والقدوة في ذلك من خلال حل خلافاتها الحدودية مع كافة دول الجوار الشقيقة والصديقة، ما عزز من أواصر القربى والمودة مع تلك الدول كطليعة لنهج السلطنة مع كافة دول العالم.

ومن ثم استفادت السياسة العمانية من هذا المنهج الناجح في العمل على التقريب بين الأطراف الدولية المتنازعة حول قضية ما، إذ يوقن العمانيون أن العالم صار متقاربًا إلى حد لا يبرر العزلة عن الأحداث السيارة في مختلف المناطق الملتهبة.


وانطلاقًا من النهج الإنساني، وبالنظر إلى أن مدنيين كثيرين يقعون ضحايا الأزمات وتجاذبات وسوء فهم في علاقات الدول بعضها مع بعض، فقد بذلت بلادنا جهودًا محمودة وناجحة للإفراج عن معتقلين ومخطوفين لرعايا دول شقيقة وصديقة، الأمر الذي يعبر عن مدى ما تحظى به السلطنة في ظل القيادة الحكيمة والسياسة القويمة لجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ من احترام وتقدير على كافة الأصعدة العربية والإقليمية والدولية.


وفي هذا السياق وتنفيذًا للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بتقديم كافة التسهيلات لتلبية طلب الحكومتين النمساوية والفنلندية لمساعدتهما في العثور على مواطن نمساوي ومواطن فنلندي مع زوجته الفنلندية مفقودين في اليمن منذ شهر ديسمبر 2012م، فقد تمكنت الجهات المختصة في السلطنة بالتنسيق مع السلطات اليمنية من العثور عليهم، ونقلهم إلى السلطنة لتلقي الرعاية الطبية اللازمة تمهيدًا لإعادة كل منهم إلى بلاده.


إن هذه الجهود العمانية التي قادت إلى الإفراج عن هؤلاء الرعايا ليست الأولى على الصعيد الإنساني، فقد سبق وأن قدمت السياسة والدبلوماسية العمانيتان نماذج مشرفة من المساهمات في وضع حلول لقضايا ومشكلات، سواء أكانت على مستوى أفراد أو دول، فهذه الجهود تضاف إلى جهود سابقة للإفراج عن مواطنين أميركيين وإيرانيين تعرضوا للاعتقال في الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتبقى جهودًا مقدرة وبعيدًا عن الأغراض الذاتية أو الشهرة الإعلامية، بل إن هذه الجهود تتسم بالصمت والكتمان حتى تتكلل بالنجاح، نظرًا لحساسية مثل هذه القضايا.


وبهذا النجاح تكون السياسة العمانية قد أضافت رصيدًا جديدًا إلى رصيد جهودها ومواقفها المشرفة، من أجل لمِّ الشمل وبسط الأمن والاستقرار.

 

Email