القضية الفلسطينية ستظل القضية الأهم إقليميا ودوليا

ت + ت - الحجم الطبيعي

حديث القدسيمكن وصف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بالعديد من الأوصاف التي تعبر عن شخصيته وسياساته، لكن الصفة البارزة في سياساته هي القدرة على المراوغة والتنصل في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بحيث ينشغل العالم عنها بقضايا جانبية يتم من خلالها التغطية على التوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعملية التهويد المبرمجه لمدينة القدس.

فبعد توليه الحكم عام ٢٠٠٩ أخرج الملف النووي الإيراني من البراد العميق ووضعه على النار الساخنة، وفي المقابل فقد وضع عملية السلام في البراد نفسه. وقد تحدث كثير من المراقبين والمحللين السياسيين عن أن إيران حتى إن تحولت لنووية، وهذا أمر مختلف على وقت حدوثه، فلن تشكل خطرا وجوديا على اسرائيل التي يقال إنها تمتلك العشرات وربما المئات من القنابل الذرية. ومن المؤكد أن تصريحات الرئيس الإيراني حول مسح اسرائيل عن خريطة العالم، وهي تصريحات تم التراجع عن كثير من مكوناتها لاحقا، قد أعطت نتنياهو وحكومته سلاحا دعائيا قويا في مساعيها لتضخيم الخطر النووي الإيراني، حتى لو افترضنا جدلا وجود هذا الخطر.

الآن توفر قضية الأسلحة الكيماوية السورية غطاء آخر لرئيس الوزراء الاسرائيلي للتنصل من استحقاقات ما يسمى بعملية السلام. وهو يرفع مقولة عدم السماح بانتقال هذ الأسلحة إلى حزب الله ليبرر بها ليس فقط اعتداءات سلاحه الجوي على الأراضي السورية، وهي اعتداءات مدانة وفقا للقانون الدولي، وإنما ليعطي كذلك ذريعة أخرى لسياساته المتمثلة في تجميد عملية السلام، والتهرب من التعامل جديا مع المطالب الوطنية الفلسطينية العادلة.

ويسمع المتابعون للتصريحات الرسمية الاسرائيلية نظرية قديمة جديدة، وهي أن القضية الفلسطينية لم تعد محور الاهتمام إقليميا ودوليا، لأن الوضع في العديد من دول المنطقة، بما فيها سوريا ودول الربيع العربي الأخرى، أصبحت تستأثر بالأضواء الإعلامية. والهدف من تكرار هذه النغمة النشاز ليس تصوير الواقع، وإنما التعبير عن تمنيات من يدلون بهذه التصريحات، ومن يرددها من الإقليميين والانعزاليين في عالمنا العربي، وما أكثرهم هذه الأيام!.

هناك أوضاع متوترة في عدد من الدول العربية، وهذا لا خلاف عليه. لكن القضية الفلسطينية، حتى وإن تم إهمالها عمدا وعن سابق تصور وإصرار، هي التي تحمل بعدا بالغ الخطورة لأنها لم تعد قضية الفلسطينيين وحدهم، ولم تكن كذلك في يوم من الأيام، وإنما هي قضية الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأنصار العدالة في هذا العالم جميعا، وهم يتابعون هذه القضية في كل يوم وفي كل ساعة.

كل القضايا الأخرى تم حلها أو هي في طريقها للحل المؤكد. أما القضية الفلسطينية فلا يلوح في الأفق بصيص أمل لحلها في القريب العاجل، لأن سياسة الاستيطان تجعل أي حل معقول، وبالحد الذي هو حتى دون الأدنى من المطالب الفلسطينية أمرا مستحيلا أو في حكم ما يشبه المستحيل. ومن هنا فإن غياب الحل أو ابتعاده سيترك المجال أمام الحلول المطلقة التي من شأنها نسف فرص السلام والتعايش في المنطقة.

ومن أجل مصحة شعوب المنطقة كلها يتوجب الحرص على اعتبار القضية الفلسطينية القضية الأهم إقليميا ودوليا، وليس الملف النووي الإيراني أو الأسلحة الكيماوية السورية، مهما يكن من أهمية أو عدم أهمية هذين الملفين. لأن وضع قضية شعبنا في المكان الذي تستحقه سيدفع بإسرائيل للتعامل معها، والتجاوب مع حقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته، قبل أن يصل الأمر حالة اليأس الكامل، وما قد ينجم عن هذه الحالة من عواقب وتداعيات بالغة الخطورة.
.

Email