العراق.. ويبقى الرهان على الشعب

ت + ت - الحجم الطبيعي

جرت العادة الدبلوماسية الرتيبة عند حدوث أي أزمة داخلية أن يهرع النظام السياسي فورا لأقرب شماعة خارجية، ليحملها وزر أخطائه وتجاوزاته، ونظام رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ليس بدعا من أنظمة عربية أخرى مرت بذات الظروف والأحداث التي يمر بها العراق الآن، فما كان منها إلا أن حملت أنظمة خارجية تبعات فشلها في الداخل، كما فعل المالكي حين اجتر الأزمة السورية وما يحدث فيها من صراع دام ليوزع الاحتقان الطائفي والفشل السياسي العراقي على أطراف النزاع السوري، بل ذهبت حكومة المالكي لاستدعاء بعض وسائل الإعلام العربية، أو وسائل الإعلام العراقية المعارضة لتوجهاته، ليحملها أيضا وزر فشل نظامه في حفظ أمن العراق واستقراره.

النظام العراقي الآن يعي جيدا أن هذا البلد بأهميته الاستراتيجية جغرافيا وسياسيا، ووفرة ثرواته الطبيعية، وتعدد طوائفه الدينية والعرقية، يستحيل أن يحكم بقبضة حديدية من قبل تيار أو طائفة بعينها، وإن حدثت الكثير من التجاوزات بحق رجال الأمن والجيش في أحداث الأنبار، وهو الأمر الذي لا يقبله أحد سواء من معارضي النظام أو مؤيديه؛ إلا أن ذلك يعني فشل النظام عبر سنواته السابقة في تحجيم المد الطائفي، وإقرار قوانين عادلة بين الجميع، وتوزيع الأدوار السياسية بين كافة شرائح وطوائف الكيان العراقي، وتحقيق التوازن التنموي، وانعدام ذلك كله أدى إلى غلبة العاطفة الجماهيرية في بعض الأقاليم التي بلغت حدا غير مسبوق، فلم يبق أمام تحقيق مطالبها إلا التظاهر وانتزاع الحقوق، وهو الأمر الذي كان يجب على نظام المالكي تداركه منذ بدء الربيع العربي، إلا أن ذلك لم يحدث.

وبعد دخول الأكراد على خط الأزمة العراقية عبر نشر قوات في محيط كركوك يصعب التصور أن يدخل الشعب في مواجهة مع السلطة أو الجيش، أو أن يحدث نزاع داخلي بين الأكراد وباقي العراقيين، أو أن تتصاعد حدة المواجهة بين السنة والشيعة، فالعراق لم يعد يحتمل كل هذه السيناريوهات الدامية، ولتلافي كل هذه الاحتمالات الواردة ينبغي على النخب السياسية العراقية أن تقف على مسافة واحدة من الجميع، حتى لو كلفها الأمر خسارة بعض التحالفات السياسية الإقليمية، كما هو الحال مع إيران الآن، فرهان الأمن والاستقرار يجب أن يتوقف على الشعب وحده.
 

Email