لبنان حين يسترجع ذكرى قانا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يسترجع لبنان هذه الأيام ذكرى مجزرة قانا الأليمة التي حفرت في الأذهان صورًا وحشية لن تمحى من الذاكرة الجمعية اللبنانية والعربية مهما تعاقبت الأزمان، ذلك أن الذي قام بارتكابها عدو ومجرم حرب محترف وتاريخي لا يضارعه في الإجرام قوة، ولا تماثله في الكذب والتدليس الدواهي، ولا مجال لأحد أن ينازعه على مكانته فوق القانون التي كان ولا يزال وسيظل محافظًا عليها منذ عام 1948م، إنه إرهابي محترف لا يضاهيه أحد ولا ينازعه فيه غيره من حملة المسميات التي بدأت تطغى على المشهد العربي وتحاول منافست.

وإن كانوا أبناء مدرسة واحدة وأتباع مربٍّ واحد، إنه إرهاب يحمل صفة كيان وقيل دولة، ولكن اسمه في الحقيقة "كيان الاحتلال الصهيوني الإرهابي"، الذي عمَّد سجله التاريخي بدم إرهابه منذ استزراعه في خاصرة الوطن العربي، فأصبحت كل زاوية وكل ركن وبقعة دالة على جرائم إرهابه وحربه، التي تحترق الأنفس وتكتوي بآلامها قلوب الثكالى والآباء والإخوة والأشقاء والأحباب، وكلما حانت ذكراها ازدادت هذه الآلام وازدادت مساحة الاحتراق النفسي، في حين لا يزال المجرم المدان حرًّا طليقًا يغدو ويروح على آلام ضحاياه وجثثهم ويبحث عن ضحايا جدد.


ها هو لبنان يسترجع ذكرى مجزرة قانا الأولى التي ارتكبها رسمًا وختمًا مجرم الحرب شيمون بيريز في الثامن عشر من أبريل عام 1996م حين كان رئيس وزراء لحكومة كيان الإرهاب الصهيوني والذي كافأته دوائر النفاق ومنظمات التدليس والكذب وذات المعايير المزدوجة بجائزة "السلام"، والسلام منه براء ومن أفعاله وجرائمه؛ قتل الأطفال والنساء الذين لم يجدوا ملجأ يحتمون به من نيران إرهابه سوى مقر القوة الدولية "اليونيفيل" .

حيث اعتقد هؤلاء الضحايا أن هناك ذرة احترام وتقدير لدى بيريز وكيانه العدواني، فغاب عنهم أنه لا يجتمع الاحترام والتقدير والإنسانية والضمير مع الحقد والكره والإجرام في قلب ونفس مجرم إرهابي، فكانت النتيجة أن يسقط مئة وستة (106) شهداء وثلاثمئة وخمسون جريحًا في عملية تبرهن على الحقد والكراهية والإرهاب اسمها "عناقيد الغضب".


من المؤكد أن لبنان وهو يحيي ذكرى مجزرة قانا الأولى لا بد وأنه يسترجع ذكرى مجزرة قانا الثانية التي راح ضحيتها حوالي خمسة وخمسين (55) شهيدًا بينهم سبعة وعشرون (27) طفلًا. وهما المجزرتان اللتان كشفتا حقيقة منظمة الأمم المتحدة وتحديدًا على مستوى أمينها العام الذي يمكن أن يجعل ضميره الحي وأخلاقه الفاضلة بوصلة باتجاه نصرة القضايا، ويمكن أن يجعلهما أداة للعمالة والتبعية ووسيلة للبقاء في المنصب وجني الأموال.

وحين نأتي على ذكرى مجزرة قانا الأولى لا بد أن يذكر الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك وهو بطرس بطرس غالي الذي أصر على تقديم تقرير الإدانة ضد المجرم الإرهابي، ليكون خروجه من المنظمة المخطوفة بكل شرف ونزاهة وأمانة، مرفوع الرأس معزز الكرامة، ولكي تتضح حقيقة منصب الأمين العام والأدوار التي يلعبها والتي رأيناها في مجزرة قانا الثانية وغزو العراق والعدوان الإرهابي الصهيوني على قطاع غزة، والآن في سوريا وهكذا.


وهكذا حين يسترجع اللبنانيون ومعهم أشقاؤهم الفلسطينيون خاصة والعرب عامة ذكرى مجزرتي قانا فإنهم يسترجعون المواقف المخزية لما يسمى المجتمع الدولي الذي لم يجرؤ على معاقبة الجرم على جريمته مكرسا بذلك معاييره المزدوجة التي دائما مايكون ضحيتها شعوبنا العربية.
 

Email