فياض ودوره في بناء مؤسسات الدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حديث القدسمما لا شك فيه أن للدكتور سلام فياض أسبابه التي دفعت به لتقديم استقالته من رئاسة الوزراء التي أعلن عنها مساء أمس، ومن المؤكد أيضا أن للرئيس محمود عباس أسبابا جعلته يقبل استقالة فياض. ومع أن من حق الشعب الفلسطيني معرفة الأسباب في الحالتين من المصادر الرسمية الفلسطينية الموثوقة وليس من وكالات الأنباء الأجنبية وتكهنات المحللين السياسيين هنا وهناك، فإن حساسية الوضع الداخلي الفلسطيني وتداعياته ربما فرضت نوعا من التكتم حول هذه المسألة.

ومهما تكن الانتقادات الموجهة لفياض، فإنها لا تحجب الجوانب الإيجابية لهذا السياسي الفلسطيني المستقل الذي تولى منصبه عقب أخطر حدث شهدته الساحة الفلسطينية وهو سيطرة حماس بالقوة على قطاع غزة، وإقالة الرئيس أبو مازن لحكومة اسماعيل هنية. كانت الظروف صعبة في ذلك الوقت، لكن فياض تحمل المسؤولية مدعوما بثقة المجتمع الدولي فيه كرجل سياسة واقتصاد يؤمن بالشفافية، ويخلص الاقتصاد الفلسطيني من سلبيات الفساد والارتجال التي كانت تضع الصعوبات والعراقيل أمام التمويل الدولي لمشاريع السلطة الفلسطينية والتزاماتها التشغيلية والتنموية.

ويذكر لفياض أنه تبنى مشروع العامين لبناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، بعد أن واكب عملية بناء قوات الأمن الفلسطيني وانتشارها في محافظات الوطن الشمالية.

وفي هذا السياق تمت مأسسة العديد من الدوائر والأطر الحكومية. وقد شهدت المؤسسات الدولية المعنية بنجاح هذا المشروع وذكر البنك لدولي أن فلسطين بلغت مستوى إقامة الدولة، لكن اسرائيل التي لا تريد قيام الدولة الفلسطينية ظلت العقبة الكبرى أمام تتويج هذا المشروع بإعلان الدولة الفعلي، بسبب تمسكها بالتوسع الاستيطاني وتكريس الاحتلال خصوصا في عهد حكومة بنيامين نتنياهو.وفي تصريحات فياض للإعلام المحلي والأجنبي هناك ما يشعر بأن الرجل قد ضاقت به السبل، بسبب العراقيل التي وضعتها اسرائيل أمام مشروعه فالاقتصاد الفلسطيني لا يمكن أن يزدهر في ظل السيطرة الاسرائيلية على المنطقة ج التي تشكل ٦٠ في المائة من مساحة الضفة الغربية، كما أنها توفر المجال الأكبر للزراعة والمشاريع التنموية الأخرى. وهذا الموقف الاسرائيلي لا يؤثر سلبا على الحكومة الفلسطينية فقط، وإنما يهدد عملية السلام كلها من الأساس، هذا بالاضافة الى حملة ممنهجة وفي أغلب الأحيان ظالمة تعرض لها الرجل على مدى الأشهر الأخيرة.

وفي الوقت الذي نأمل فيه أن تستمر المسيرة الفلسطينية في التقدم بغض النظر عن الأشخاص الذين يفترض أنهم يؤدون أدوارهم بإخلاص في خدمة الشعب والوطن كل حسب قناعاته واجتهاداته، فإن المطلوب هو التوافق والانسجام السياسي بين القوى السياسية الفلسطينية، لأن المخاطر التي تكتنف القضية والمخططات التي تستهدف الأراضي الفلسطينية تتطلب وحدة الكلمة وتضافر الجهود لمواجهتها.

وسيذكر الشعب الفلسطيني عهد حكومة فياض بما فيه الكثير من الايجابيات والقليل من العثرات، لكن الموضوعية تقتضي الإنصاف والنزاهة، ومن هذه الناحية لا أقل من تعداد الجوانب المضيئة، ومواصلة نهج الشفافية الذي كان فياض من الرواد فيه، والعاملين من أجل ترسيخه رغم كل الصعوبات والعراقيل.

ان هذا ليس دفاعا عن فياض ابدا، ولكنه محاولة لقراءة الواقع ورفض محاولات القفز فوق الحقائق والمعطيات الواقعية .ان مشكلة الوطن الاساسية اننا نفتعل قضايا جانبية في محاولة للهرب من مواجهة المشكلة الحقيقية. مشكلتنا مع الاحتلال وممارساته، والقدس وتهويدها والاستيطان وقتله لمشروع الدولة الفلسطينية المقترحة. ومشكلتنا في ارتهان مواقفنا للمانحين وعدم قدرتنا او ارادتنا في اتخاذ القرار المستقل وليست في شخص او مواقف رئيس الوزراء.

ان مشكلتنا الحقيقية في عجزنا عن تحقيق الوحدة الوطنية وعجز امتنا العربية عن دعمنا سياسيا واقتصادياً ومالياً وخضوعها هي الاخرى للضغوط الاميركية الغربية التي يتحدث البعض عنها عندما يتحدث عن فياض والدولة-السلطة.الحل ليس في الهرب الى الامام وخلق مشاكل جانبيه ولكن في مواجهة الواقع والحقائق واتخاذ القرارات والمبادرات اللازمة.
.

Email