الغارة الإسرائيلية على غزة.. محاولة للفهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا تزال إسرائيل تمارس سياساتها التوسعية في فلسطين، ولا يزال هذا الكيان الصهيوني ينتهج إرهاب الدولة لتحقيق استراتيجية الهيمنة التي يطمح إليها. إسرائيل كيان استثنائي في هذا العالم المتغير، ومن الطبيعي أن تشعر بالغربة في محيط هو بالتأكيد يلفظها، لذا كانت استثناء مشوها، ليس على المستوى السياسي فحسب وإنما الاجتماعي أيضا. فهوية الدولة الإسرائيلية "دينية يهودية".

كما يعترف بذلك قادتها ونخبها، وممارسة العمل الحكومي الإسرائيلي في الداخل "ديموقرطية"، كما يتضح من أحزابها التي تتوالد من رحم هويتها العنصرية.. هذا التشوه كان سببا رئيسا في اضطراب السياسات الإسرائيلية في المنطقة، فالإسرائيلي ـ المواطن والمسؤول على حد سواء ـ يمارس الديموقراطية من أجل الدفاع عن هويته العنصرية.

وهذه الازدواجية في الشخصية الإسرائيلية تحتم على كل قيادات الكيان الصهيوني، بمختلف أحزابه وتياراته، الارتهان إلى لغة القمع والعنف والبراجماتية الفجة لتحقيق المصالح الكبرى للكيان العنصري المتطفل، الأمر الذي بدأ معه الغرب يعي أسباب الإرهاب الإسرائيلي اليومي ضد الفلسطينيين، ورمي الدولة الإسرائيلية بكل قرارات المنظمات والهيئات الدولية عرض الحائط فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والتوسع الاستيطاني، وانتهاك الحقوق السيادية للدول الأخرى.


أصبحت الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة مجرد خبر روتيني تتلاقفه وسائل الإعلام العالمية، ليخرج قادة العالم لمجرد التنديد والدعوة إلى ضبط النفس، وسيخرج بعض الزعماء الغربيين لدعوة الفلسطينيين إلى التهدئة بعد إطلاق جماعة فلسطينية قذيفتين صاروخيتين على أهداف إسرائيلية بعد استشهاد الأسير أبو حمدية، وكأن هذا الصراع لم يبدأ إلا مع قذيفتين أطلقتهما جماعة فلسطينية أجبرها ضغط الواقع ومجريات الأحداث على ذلك.

ولا ننسى أن الطيران الإسرائيلي أمس انتهك الأجواء اللبنانية في الجنوب.. وهذه الرسائل من نتنياهو ورفاقه تفيد بأن الهدنة المتضمنة وقف إطلاق النار التي وقعها الطرفان في أكتوبر الماضي برعاية مصرية قد انتهت بانتهاء الحاجة إليها، وأن إسرائيل ترى أن مرحلة صعبة وحرجة أعقبت الربيع العربي في طريقها إلى الأفول، لتعود الأمور على ما كانت عليه.

ويعود الخطاب السياسي والإعلامي الذي لا يختلف في تصوير الصراع الواقع في الأراضي المحتلة عن الصراع الذي يحدث بين الكوريتين، حينها ربما يشعر نتنياهو ورفاقه بشيء من راحة البال، والاطمئنان على أن الهوية وما تستلزمه من مشروعات أخرى في سبيل تحقيقها تمضي في طريقها الصحيح.
 

 

Email