العراق.. عقد من المحن ومستقبل غامض

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاء إسقاط النظام العراقي في عام 2003 بعد أكثر من 3 عقود سيطر فيها حزب البعث برئاسة صدام وزمرته على مقاليد الأمور في العراق، حول خلالها بلاد الرافدين إلى معتقل كبير، مما أدى إلى انفصام هذا البلد العظيم عن عمقه الحضاري وتراثه المتعدد الثقافات بسبب سياسة هذا الحزب، بعد أن كان قبلة العلماء، ومنجم المبدعين، وسخر ثرواته البشرية والمادية الهائلة في افتعال الحروب والفوضى في المنطقة، حتى ذهب البعث ورموزه جفاء، وتحرر العراقيون من سلطة أهلكت الحرث والنسل، ولكن نخبهم لم تتحرر من أمراض السلطة، ونزاعات الطائفية والعرقية، فغرق العراق في فوضى عارمة بعد الاحتلال الأميركي، وبعد أن تم تدمير كل مؤسسات الدولة المتهالكة بالأساس منذ عهد صدام. ولعل أخطر المشكلات التي واجهت العراقيين خلال السنوات العشر الماضية أنه تحول إلى ساحة مفتوحة لصراعات دولية ساخنة، فأصبح بؤرا للجماعات الطائفية المسلحة، وللتنظيمات الإرهابية المختلفة، وورقة مساومة من أطراف دولية عدة كإيران والولايات المتحدة، وربما روسيا في الوقت الراهن.

بعد انسحاب القوات الأميركية لم يستطع العراقيون تكوين دولة مدنية تجمع كل الأطياف العراقية، لم ينجحوا في الاستفادة من تجربتي ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية، كما كان يتوقع البعض، نظرا لاختلاف الظروف، وفشل النخب السياسية في تجنب صراعاتها الداخلية، وكل هذه الفوضى أدت إلى ازدياد حلات العنف، خاصة بين المدنيين الأبرياء، فبحسب بعض الإحصاءات وصل عدد القتلى المدنيين منذ 2003 حتى اليوم إلى حوالي 112 ألف قتيل، ويكفي القول إنه بالأمس وعشية الذكرى العاشرة لغزو العراق؛ قتل 50 شخصا وأصيب أكثر من 147 في أكثر من هجوم على عدة مناطق متفرقة.

إن ما يؤخذ على الدولة العراقية، وفي هذا الظرف بالذات؛ انسحاب المشهد السياسي العراقي من محيطه العربي، وضبابية موقفه من المخاطر التي تهدد العالم العربي، خاصة من قبل طهران، وعدم وضوح سياساته في القضاء على الفتن الطائفية، التي تفتك بالعراق. ولا شك أن الجميع ينتظر عودة الأمن والازدهار إلى هذا البلد العربي، لكن الأمنيات لا تكفي، وعلى النخب العراقية التي شاهدت التغيير في دول الربيع العربي أن تعي مسؤوليتها التاريخية تجاه مستقبل العراق، وأن تؤثر هذا المستقبل على مكاسبها السياسية التي قد لا تدوم.
 

Email