مبادرة السلام العربية تتجاوز طموحات إسرائيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

نعم ليس من المبالغة في شيء، على أي نحو، القول بأن مبادرة السلام العربية التي طرحها العرب خلال القمة العربية في بيروت عام 2002 تتجاوز طموحات اسرائيل.

ليس فقط لان اقصى اماني حكومات اسرائيل منذ خمسينات القرن الماضي وحتى منتصف السبعينات، كان مجرد الاعتراف السياسي العربي بدولة اسرائيل، ولكن ايضا لان مبادرة السلام العربية ذهبت الى ابعد من ذلك بكثير عندما اشارت الى القبول العربي الجماعي بإسرائيل كدولة من دول المنطقة، والتعامل معها بشكل طبيعي عندما يتم التوصل الى تسوية سلمية شاملة ودائمة تعيد اسرائيل بموجبها الحقوق الفلسطينية المشروعة بما في ذلك اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، واعادة الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل عام 1967.

ولان احتلال اسرائيل للاراضي العربية في عدوان عام 1967 يظل يمثل انتهاكا للقوانين والشرعية الدولية، ولميثاق الامم المتحدة، حتى تجلو اسرائيل عن تلك الاراضي وتعيدها الى الاطراف العربية المعنية، وهو أمر لا يسقط بالتقادم، فان اسرائيل هي في الواقع المستفيدة في النهاية من مثل هذه الخطوة، لانها ستحصل على قبول واعتراف عربي جماعي، وعلى فتح خطوط التعامل مع كل الدول العربية، وليس مع دولة او بضع دول عربية. المؤكد ان اسرائيل تدرك ذلك جيدا، وهي سعيدة به في الواقع كتطور حدث بالفعل في الموقف العربي الجماعي، الذي تعبر عنه جامعة الدول العربية.

ولا يقلل من اهمية ذلك ان اسرائيل تواصل المطالبة بالمزيد، وتبدي احيانا عدم اهتمامها بالمبادرة العربية، برغم ان هذه المبادرة هي التي سيتم على اساسها صياغة العلاقات بين اسرائيل والدول العربية خلال السنوات القادمة، عندما يتم وضعها موضع التنفيذ.
 

ونظرا لان مبادرة السلام العربية كانت، ولا تزال، شديدة الوضوح من حيث مبادلة الارض بالسلام - برغم انها ارض احتلتها اسرائيل بالقوة والعدوان - فان ما تردد بشأن افكار لادخال تعديلات على مبادرة السلام العربية، هو أمر يدعو للدهشة والقلق، بشكل او بآخر، لان التعديل انصب – كما اشارت الانباء – على ما يتصل بالحدود ومبادلة الاراضي بين اسرائيل والدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا أمر يمكن ان يكون فرعيا اذا كان محدودا وبرضا الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وفي إطار المفاوضات بينهما. اما وضعه في صلب المبادرة فانه يخرج عن الاطار السابق بالتأكيد، ويتحول الى قبول عربي بعدم عودة اسرائيل الى حدود 4 يونيو 1967، وهو أمر لن يقبل به العرب ولا الفلسطينيون.
 

اما التعديل الثاني فانه يتعلق بالتعاون الاقليمي بين اسرائيل والدول العربية. ولان هذا الأمر اوضحته الدول العربية، وربطته المبادرة بالسلام الشامل والدائم، فان الحديث عن تعديل ما يفقد معناه في الواقع، الا اذا كانت اسرائيل تريد ثمنا مقدما لخطوة لم تتخذها بعد، وهو ما يدخل في اطار مناورات الحكومات الاسرائيلية، وحكومة نتانياهو على وجه الخصوص. ولذا فانه لم يكن مفاجئا ان ترفض السلطة الفلسطينية ما تردد بهذا الشأن، لانها ببساطة تعرف اسرائيل جيدا. وتظل مبادرة السلام العربية تتجاوز بالفعل طموحات اسرائيل، خاصة اذا التزمت اسرائيل وصدقت نواياها ومواقفها، وهذه هي المشكلة في الحقيقة

Email