الأزمة السورية وازدواجية المعايير!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي تتبنى فيه القوى الدولية خيار تسريع الانتقال السياسي في سوريا عبر الحوار لكونه المخرج الآمن والسلمي والأوحد، بعد أن وصلت إلى قناعة بأن العنف لن يأتي بحلول بقدر ما يأتي بمآسٍ وآلام مزمنة ودمار وخراب، لا يزال هناك من يراهن على لغة السلاح واستمرار العنف، معتبرًا أنه الطريق الأوحد ولا يوجد غيره، متوهمًا أن السلاح النوعي المتطور هو من سينفث من فوهاته السلام والأمان والاستقرار والطمأنينة على الشعب السوري، وهو من سيهيئ عودة آمنة لأولئك الذين شردهم عن منازلهم العنف الذي اختارته المعارضة السورية المسلحة وقياداتها في الخارج وداعموها.
مؤسف أن تصر الأصوات الداعية إلى جلب وسائل القتل والدمار والخراب على خيار العنف، والسير في طريق وعر وذي متاهات لا يعلم خطورتها إلا الله، ويستمر مع هذا الإصرار مسيل دماء الشعب السوري الذي وجد نفسه فجأة بين فكي كماشة؛ الفك الأول يمثل المتمردين والعصابات المسلحة وزعاماتهم التي تربت في دوائر الاستخبارات الغربية والإقليمية، والفك الثاني يمثل القوى الداعمة للمسلحين وزعاماتهم، ويستمر كذلك التدمير الممنهج للمؤسسات المدنية والأمنية والعسكرية، في مؤشر واضح على أن الهدف هو القضاء على أي أمل في إمكان حدوث اختراق حقيقي نحو الحل السياسي، والملاحظ في هذا الصدد أن هناك تبادل أدوار بين المعارضة المسلحة وقياداتها وبين داعميها الذين يتقاسمون ولاءها، ففي الوقت الذي يتشدد فيه الطرف الأول في مواقفه ويطرح شروطًا تعجيزية ويبالغ في دعاياته المغلوطة، يلين الطرف الثاني الداعم مواقفه ليظهر نفسه أنه مع الحل السياسي فقط ولا غيره، والعكس صحيح، وإذا كان هذا يقود إلى أن الداعمين الذين يسوِّقون أنفسهم بأنهم مع الشعب السوري ويذرفون دموع التماسيح عليه، لديهم مشروعهم وأجنداتهم البارزة بتدمير سوريا وتحويلها إلى دولة فاشلة من أجل حليفهم كيان الاحتلال الصهيوني، فلماذا الطرف الأول يصر على العنف ويطالب بالسلاح النوعي المتطور، وهو يدرك أن هذا السلاح النوعي لن يترك بشرًا، ولن يدع حجرًا على حجر في سوريا، ويكون عونًا في هذا الدمار؟
محزن ومؤلم أن تظل الازدواجية في التعامل والمعايير والكيل بمكيالين هي الحاكم والمسيطر في ملف الأزمة السورية، بأن يرفض هؤلاء الداعمون للمعارضة السورية المسلحة التدخل في شؤونهم الداخلية، بينما هم منخرطون حتى النخاع في تدخل مفضوح ومرفوض في الشأن الداخلي السوري، وعلى الرغم من تسخير أموالهم في عقد صفقات السلاح وتسليمها إلى المعارضة المسلحة فإنهم يطالبون حلفاءهم بالدور ذاته، وفوق ذلك أن يكون السلاح نوعيًّا ومتطورًا.
إن من يحب الشعب السوري وينتصر له فعلًا يجب أن يعمل على تجنيبه مخاطر القتل والتشرد والدمار والخراب، ولا وسيلة للوصول إلى ذلك سوى الوسائل السلمية، لا بالسلاح النوعي والمتطور وغيره.

Email