وضع أسرانا دليل عجزنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

جولة جديدة من جولات الحق والعدالة يخوضها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون الاحتلال الصهيوني، ليس للانتصار للكرامة والإنسانية وحفظ الكبرياء الفلسطيني فحسب، وإنما لوضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الأخلاقية لا سيما أولئك الذين يتشدقون بالحرية وبحقوق الإنسان والديمقراطية، وأنهم مناصرون لها، وأن سياساتهم ودبلوماسياتهم واقتصاداتهم وحتى أسلحتهم بمختلف أنواعها مسخرة لنصرة قضايا الحق والعدالة والحرية والديمقراطية، حيث يهدف الأسرى الفلسطينيون من معركة "الأمعاء الخاوية" هذه إلى جعلها معركة فاصلة بين الحق والباطل مع المجتمع الدولي ومؤسساته ومنظماته الحقوقية والإنسانية.


لا يعقل أن تتحرك منظمة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع لها، وكذلك بقية المؤسسات الدولية غير الرسمية التي تتخذ من حقوق الإنسان والعدالة شعارًا لها، نحو قضايا إنسانية في أكثر من اتجاه وفي أغلب دول العالم في الوقت الذي تلزم فيه الصمت عن أخطر جريمة حرب تمارس بحق الشعب الفلسطيني من قبل آخر احتلال عرفه التاريخ، وإن بدت هذه المنظمات والمؤسسات شيئًا من المواقف فإنها دائمًا ما تكون خجولة، بل مخجلة لأصحابها بداية، إذ لا تتوازى مع حجم المأساة والجريمة التي تعد جريمة حرب حقيقية، فما قيمة القلق الذي عبر عنه بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة حيال التدهور السريع لصحة الأسرى الذين وصفهم المتحدث باسمه مارتن نيسيركي بـ"السجناء الفلسطينيين المعتقلين في "إسرائيل" والمضربين عن الطعام"، وخصوصًا حيال الوضع الصحي الدقيق لسامر العيساوي"؟

بينما هم أسرى حرب وينبغي أن يعاملوا على هذا الأساس في سجون الاحتلال وفق اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في زمن الحرب، ولو كانت الأمم المتحدة صادقة وعادلة في نظرتها إلى قضايا الشعوب لما لبثت القضية الفلسطينية إلى اليوم تراوح مكانها، وتترك الشعب الفلسطيني بقبضة احتلال صهيوني بشع مجرم يمارس سياساته العنصرية ضده بين التهجير، والإبادة في السجون وخارجها في منازله وعلى أرضه، ولعملت على تطبيق بنود اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة من كافة جوانبها، ولا سيما فيما يتعلق بالأسرى الفلسطينيين، ليعاملوا كأسرى حرب، وينالوا كافة الحقوق الإنسانية طبقًا لروح ونص الاتفاقية وللقانون الدولي الإنساني.


وإذا كانت مواقف الأمم المتحدة تجاه القضية الفلسطينية وقضية الأسرى بهذا السوء والخجل، فإن المواقف العربية أكثر سوءًا وخجلًا، فلا تزال جامعة الدول العربية مشغولة بقضايا ثانوية، تاركة وراءها القضية المركزية الفلسطينية في ازدواجية واضحة في التعامل بين ما هو ثانوي وما هو مركزي، ما يكشف حالة الوهن والضعف الذي أصاب هذه الجامعة العتيدة، الأمر الذي يؤكد أنها أصبحت تابعة لقوى دولية، فلغة خطابها فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وخاصة قضية الأسرى مغايرة تمامًا للغة الخطاب والمواقف فيما يتعلق بقضايا عربية أخرى.


إن قضية الأسرى المعذبين والمنتهكة حقوقهم داخل سجون الاحتلال الصهيوني، ستظل دليلًا آخر على كره كيان الاحتلال الصهيوني للسلام، وعلى عدم رغبته في الالتزام بما يتوجب عليه من استحقاقات، وعلى حالة النفاق الطاغية على المنظمات والمؤسسات الدولية الرسمية وغير الرسمية التي تتشدق بالحرية والدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، ولا ريب أن معركة الأسرى هذه ستكشف الزيف والنفاق لدى السياسة الغربية في تعاملها مع قضايانا وحقوقنا، وتؤكد الحقيقة الثابتة بصورة واضحة أن هذا التعامل لن يكون إلا من أجل مساومتنا وتحقيق المصالح الغربية على حساب تلك الحقوق، والشواهد على ذلك في المنطقة كثيرة تنطق بذلك وحدها ولا تحتاج إلى من يشير إليها.
 

Email