بعد سنتين .. الليبيون لا يزالون يبحثون عن دولتهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يمكنه أن يجادل عن دواعي تفجر الاضطرابات في أكثر من بلد عربي، حيث مظاهر الظلم والديكتاتورية والقمع والفساد والظلم، وتراكمات هذه المظاهر عبر السنين أدت إلى حالة من الشحن النفسي داخل المجتمعات العربية التي تعاني من هذه المظاهر، وكنتيجة طبيعية لعدم قيام الأنظمة المتلوثة أياديها بتلك المظاهر بالمبادرة إلى إفساح مجال الحريات ومحاربة الفساد والظلم وتحقيق العدالة الاجتماعية جاءت تلك الحراكات لتعبر عن الرفض المطلق والرغبة في التخلص من تلك المظاهر التي تتنافى مع المبادئ والقيم الإنسانية، ولتشر إلى أن الانفجار هو النهاية المحتومة للضغط الذي تتزايد عوامل مضاعفة منسوبه، ما لم يتم احتواؤه بخطوات تغيير جذري.

بعد مرور سنتين على هذه الاضطرابات التي يفضل البعض ترديد التسمية الغربية عليها "الربيع العربي"، لا يزال الطفل والشاب والهرم والشيخ العربي يبحثون عن أحلامهم الوردية التي تصوروها أو صورت لهم، ويتساءلون عن حقيقة مستقبلهم ويقارنون ماضيهم بحاضرهم قائلين: ما الذي تغير؟ ولا يزال مواطنو دول ما يسمى بـ"الربيع العربي" يبحثون عن شكل دولتهم ذات الديمقراطية الحقيقية، والعدالة والمساواة، ويمنون النفس بأن لا تذهب تضحياتهم وما قدموه من دماء وأموال هباء منثورًا، فلا هم بدولتهم ذات المؤسسات المدنية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا هم بأمنهم واستقرارهم، وبحسابات الربح والخسارة، وجدوا أن بلادهم مخطوفة من قبل جماعة بعينها أو حزب بعينه، وأن آليات الفساد والعبث بالمال العام والمحسوبية وسوء التسيير والإدارة انتقلت من أيادي جماعة معينة أو حزب معين إلى أيادٍ أخرى.

وأمس أحيا الليبيون الذكرى السنوية الثانية لانطلاق حراكهم ضد زعيمهم السابق العقيد معمر القذافي، وسط إجراءات أمنية مشددة تحسبًا لأي أعمال عنف في ليبيا المضطربة، فبعد مرور سنتين لم تكن ليبيا استثناء من دول الحراكات أو ما تعرف بدول "الربيع العربي"، بل إن ليبيا تبقى مثالًا حيًّا على طريقة المعالجة القسرية لما كان يمارسه النظام السابق من ديكتاتورية وقمع وفساد، فقد كانت حالة التوليد الديمقراطي ـ كما كان يروج في بداية الحراك ـ عبارة عن تدخل جراحي بإجراء عملية قيصرية لإخراج (الجنين) النظام البديل الديمقراطي من رحم المعاناة والديكتاتورية والفساد والظلم، إلا أن المتدخلين جراحيًّا لم يكن يهمهم سلامة الجنين بقدر حرصهم على الحصول على ما كانوا يسعون إليه، وهذا ما اعترف به سيلفيو برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا الذي شاركت بلاده في التدخل الجراحي القيصري في ليبيا، حيث كانت الأنظار تتجه إلى مصادر الطاقة وتأمين تدفقها إلى المصافي الفرنسية خاصة والأوروبية عامة، ولذلك أين هؤلاء الجراحون اليوم الذين لا تزال الجروح التي أحدثوها في الجسد الليبي تنزف دمًا؟ وأين الفضائيات العربية التي طبلت وزمرت وعبأت الطوابير والحشود للرقص والتهليل والتكبير لانتظار المولود الديمقراطي الجديد في ليبيا؟ وأين هي مما يجري فيها من أوضاع حياتية وإنسانية وعسكرية متفاقمة؟

لقد غدت ليبيا المثال الأبرز على الدولة الفاشلة، والدولة الأولى في تهريب السلاح والمسلحين لزعزعة استقرار دول عربية وغير عربية كما هو حال سوريا ومالي، لدرجة قامت الولايات المتحدة بجلال قدرها بالإشراف على تسيير شحنات من السلاح الذي تكتنز به ليبيا إلى العصابات الإرهابية في سوريا، فقد أصبح السلاح بكل يد ليبية بدءًا بالطفل وانتهاء بالشيخ والمسنة، وتغلب على سكانها نوازع الانفصال والفيدرالية، وفي الوقت الذي تحولت فيه ليبيا إلى دولة فاشلة ومعزولة، فإنه لا شيء في الأفق يشير إلى إمكان استقرار الأمور فيها وعودة مؤسساتها وعودة هيبة الدولة للحكومة في القريب.

 

Email