الإرهاب آفة .. لكن من يصنعها ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن آفة الإرهاب، من القضايا الشديدة الأهمية والتي باتت تشغل بال العالم، دولا وشعوبا، لاسيما الدول التي اكتوت ولا تزال وتلك التي تكتوي بنيران هذه الآفة، في ظل عدم وجود تعريف واضح للإرهاب، بالإضافة إلى عوامله وظروفه وبيئاته التي تتكاثر يومًا بعد يوم بالمقارنة مع غياب الآليات والوسائل الكفيلة بالقضاء على أسبابه.

لقد ساهمت في انتشار آفة الإرهاب أسباب كثيرة في مقدمتها السياسات الرعناء التي تتبعها القوى الكبرى بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول، حيث يعد هذا التدخل البذرة الأولى التي نبتت وأنبتت وبدأت تتوسع مساحة انتشارها، وأينما وجد هذا التدخل وجدت آفة الإرهاب، ولعل ما تشهده كل من أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال وغيرها من الدول، علامة بارزة ودليل دامغ على ذلك، فالإرهاب والجماعات التي تقوم به لم يكونا موجودين قبل التدخل الغربي في الشؤون الداخلية لتلك الدول أيًّا كان شكل هذا التدخل، بل إنها كانت مستقرة وآمنة والحياة فيها طبيعية، فالعراق لم تكن به التنظيمات الإرهابية قبل غزوه، وسوريا لم تكن بها ما تسمى بـ"جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي،ولا غيرها من التشكيلات الإرهابية في الساحة السورية، لولا التدخل الغربي المدعوم إقليميًّا.

صحيح أن الفقر والجوع وغياب برامج التنمية والتعليم والصحة والفساد وغياب العدالة الاجتماعية، وعدم توافر فرص العمل، قد تكون بواعث لآفة الإرهاب، إلا أن الباعث الحقيقي لها هو التدخل الغربي في الشؤون الداخلية للدول والذي أخذ صورًا ومصطلحات متعددة مثل "الديمقراطية وحرية التعبير وحماية المدنيين وحقوق الإنسان"، بينما هي في الحقيقة لم تكن سوى منافذ أراد المتدخلون النفاذ من خلالها، استطاعوا عبرها توظيف طوابير من العملاء وخداعهم لكي يقوم هؤلاء العملاء بالوكالة بتحقيق ما يسعى إليه المتدخلون من أهداف ومشاريع، نتج عن ذلك إلصاق هؤلاء المتدخلين وإعلامهم تهمة الإرهاب بالإسلام وتشويه صورته الناصعة البياض.

وفي الوقت الذي تدرك فيه قوى التدخل المفرخة لآفة الإرهاب والمتسببة في انتشارها، خطر هذه الآفة وما جرَّته وتجرُّه من ويلات ومآسٍ تذهب ضحيتها دول وشعوب ودماء أبرياء، إلا أنها تصر على سياساتها الرعناء وتدخلاتها، واتباع أساليب التحريض والتأليب بين مكونات المجتمع الواحد، هادفة من وراء نشرها بؤر الإرهاب وبذر بذوره، إلى أساليب استعمارية إما للسيطرة على الثروات والموارد، أو لأهداف استراتيجية آنية ومستقبلية، أو لتشغيل مصانع الأسلحة لديها.

ويأتي المؤتمر الدولي المعني بتعاون الأمم المتحدة مع مراكز مكافحة الإرهاب والذي بدأت أعماله أمس بمدينة الرياض تواصلًا للجهود والخطوات المتخذة في هذا الشأن، حيث يهدف المؤتمر بالدرجة الأولى إلى تشجيع الشركاء على المساهمة في بناء القدرات على منع الإرهاب، ويناقش المؤتمر من خلال أربع جلسات الركائز الأربع الأساسية للاستراتيجية الدولية لمكافحة الإرهاب التي تمثل محاور المؤتمر وتشمل التدابير الرامية إلى معالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب, وتدابير منع الإرهاب ومكافحته, والتدابير الرامية إلى بناء قدرات الدول على منع الإرهاب ومكافحته وتعزيز دور منظومة الأمم المتحدة في هذا الصدد, والتدابير الرامية إلى ضمان احترام حقوق الإنسان للجميع وسيادة القانون بوصفه الركيزة الأساسية لمكافحة الإرهاب.

وفي تقديرنا أن هذه الجهود لن تقود إلى النجاح المنشود ما لم يكن هناك أولا تعريف محدد وموحد لمفهوم الارهاب وطابعه وطبيعة الأهداف التي يسعى إليها، وأن يكون هناك فصل بين النضال الذي تخوضه الشعوب ضد الغزو والاحتلال، كالنضال الذي يخوضه الشعب الفلسطيني، وبين عمليات القتل والتدمير التي تنفذها المجموعات الانتحارية والتكفيرية، وبالتالي لابد أن تكون هناك إرادة دولية حقيقية للقضاء على الإرهاب من جذوره والقضاء على أسبابه، وذلك بالتخلي عن سياسة التدخل في شؤون الدول الداخلية، ومنع التحريض والتأليب وبث الكراهية والعنصرية والتمييز وازدراء الأديان والطائفية والمذهبية.

 

Email