توصيات نأمل أن تجسد قريبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعل الاهتمام بالطفولة يشكل الامتحان الأعظم لصحوة الضمير الإنساني، فذلك الإنسان الصغير يكون في مرحلة من العمر تجعله عاجزًا عن المطالبة باستيفاء حاجاته الأساسية، ومن ثم يكون على عالم الكبار أن يسارعوا إلى الوفاء بتلك الحاجات دون أن يطلبها صاحب الحق الأصلي.

وينبع اهتمام السلطنة بالطفولة ومراحلها وأهمية كفالة حقوقها من نظرتها إلى أن أفضل استثمار هو في مجال الموارد البشرية والذي يجب أن يبدأ من مرحلة الطفولة اتساقًا مع هدف النهضة المباركة التي جاءت من أجل بناء الإنسان العماني وتنميته، واعتباره الغاية وقطب الرحى الذي تدوره حوله أهداف التنمية كافة. ويأتي مؤتمر الطفولة الأول (حق ومشاركة) الذي نظمته وزارة التنمية الاجتماعية والذي اختتم أعماله أمس بجملة من التوصيات، ترجمة عملية لهدف النهضة المباركة فيما يتعلق ببناء الإنسان العماني وتنميته، حيث أوصى المؤتمر بمراجعة المناهج المقدمة في المدارس وإدراج مواد تتناسب مع طبيعة المعرفة الحالية، والتشجيع على استخدام التكنولوجيا، وتوفير المراكز الترفيهية تخدم الغرض الترفيهي والتعليمي في آن واحد، وتوفير حافلات مدرسية تتميز بشروط معينة لتوفير الأمان للطلبة أثناء القيادة، ووضع شروط خاصة لسائقي الحافلات المدرسية، وتوفير استراحات مظللة ومكيفة لطلبة المدارس، والاهتمام بنوعية التغذية الصحية المقدمة لهم، والرعاية المنزلية الصحية، وتمديد فترة إجازة الأمومة لتكون 14 أسبوعًا كحد أدنى، وإنشاء مراكز وطنية لدعم الأطفال الموهوبين والمجيدين في مختلف المجالات، وأهمية إنشاء قناة عمانية تعنى بالطفولة عمومًا.

وبالطفل العماني خصوصًا، وتناقش مختلف القضايا المجتمعية المتعلقة بالأطفال، ودعم المجلات المهتمة بقضايا الطفل، والعمل على إصدار مجلة عمانية مختصة بموضوع الطفولة، وغيرها من التوصيات الجيدة التي إذا ما لاقت التنفيذ على أرض الواقع فإنها ستؤسس لبنية أساسية تعنى برعاية الطفولة، وبيئة صحية مواتية تنشأ في كنفها أجيال سوية قادرة على العطاء، وتتحقق على يديها ومعين فكرها الخلاق الآمال والطموحات في مواصلة مراحل البناء والتعمير والتطوير لوطنها ولمجتمعها.

وما من شك أن تطبيق تلك التوصيات تطبيقًا فعليًّا وسليمًا، وانصبت الجهود نحو ذلك، سيحفظ الخصوصية والهوية العمانية للطفل العماني، وسيضفي مزيدًا من إجراءات العناية بسلامته النفسية والجسمية والعقلية والصحية والاجتماعية، إذ من شأن المناهج والبرامج والقناة والمجلات والمراكز الترفيهية أن تشكل أولًا غربالًا من أي أفكار غير مفيدة أو سلوكيات منافية تأتي من الخارج، وثانيًا ستعين المعنيين بتربية النشء من أولياء الأمور والتربويين والمعلمين والمدربين والمثقفين وغيرهم على توجيه أطفالنا الوجهة الصحيحة وتوظيف أفكارهم فيما يخدمهم ويخدم مجتمعهم، حيث سلامة أفكارهم تجعلهم قادرين على استقبال ما يرسل إليهم وتقبله ومن ثم ترجمته في صور شتى مفيدة، مع أهمية توفير الحماية الكافية لهم من أي إساءة تؤثر على فكرهم وسلوكهم وأخلاقهم، فالطفل معرض للإساءة من قبل أسرته والأصدقاء والمحيطين به، حيث تعد الإساءة من أخطر القضايا التي تمس حقوق الطفل بشكل مباشر وأساسي في حقه في الرعاية الكاملة والكافية والتنشئة الاجتماعية الصحيحة، والإخلال في حقوقه يؤدي إلى تعرض الطفل للإعاقة النفسية والجسدية، فتجعله ينشأ متمردًا على بيته وعلى مجتمعه، فيعبر عن هذا التمرد بالاعتداء على الآخرين والمرافق العامة.

ويؤدي به الأمر إلى البحث عن الحنان المفقود في البيت مع الرفاق الذين قد يكونون من السوء بمكان يدلونه على الشر وعلى طريق الجرائم وتعاطي المخدرات والمسكرات، ما سينعكس بدوره سلبًا على المجتمع واستقراره وتطوره وتقدمه، وتهديده بالتخلف وانتشار الأمراض، وإهدار الموارد من أجل إصحاحهم، وحين يتم توفير القدر اللازم من الحماية والرعاية وإشغال وقت دراستهم وفراغهم بكل مفيد، فإن من شأن ذلك أن يسد كل المنافذ التي يمكن أن يأتي منها مصادر التلوث الفكري والأخلاقي.
إن توصيات المؤتمر تعبر بحق عن مدى نجاحه ومدى التوفيق الذي حالف منظميه، ولا ريب أن تنفيذ توصياته ستكون علامة النجاح الأبرز.

 

Email