المجاعة في العالم .. من المتسبب فيها؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين تكون المسلَّمات شيئًا والواقع شيئًا آخر، فإن هناك خطأ ما أدى إلى هذا التناقض بين المسلَّم به والواقع، فالجميع أصبح مدركًا الخطر الذي يهدد نصف سكان العالم أو أكثر والمتمثل في الجوع والفقر، وللأسف رغم هذه الحقيقة الثابتة خاصة لدى أصحاب البطون المنتفخة وذوي المخازن المملوءة بالقمح والذرة وغيرهما من المواد الاستهلاكية، إلا أن هؤلاء يساهمون بطريقة مباشرة في مفاقمة الأوضاع الإنسانية المأساوية في مختلف جهات الأرض الأربع جراء سياساتهم المعادية للحياة البشرية، وجراء نظامهم الاقتصادي المتمثل في الرأسمالية الباحثة عن الربح السريع فقط، وعلى حسابات الاعتبارات الإنسانية، فللمرء سليم الفطرة صحيح العقل أن يرى فداحة السلوك الذي تتبعه القوى الرأسمالية بتخلصها من الفائض من إنتاجها الزراعي وذلك للحفاظ على سعر مبيعاتها من الغذاء من القمح وغيره من الحبوب، وللمرء أيضًا أن يتصور المشهد المأساوي المتناقض في تضور ملايين البشر في هذا الكوكب جوعًا وقد أنشب الجوع والفقر مخالبهما في أجسادهم، وملايين أُخر تشارف على الموت وفي ساعة الاحتضار نتيجة الجوع، بينما في الجانب الآخر من المشهد تقوم القوى الرأسمالية برمي فيوضات منتجاتها الغذائية في البحار وهي تتلذذ بمشاهدة الجوع والفقر وهما يفترسان ضحاياهما.

والأشد ألمًا أن هذه القوى الرأسمالية بينما هي ترتكب إبادة جماعية بامتناعها عن ضخ المزيد من منتجاتها الغذائية للمساعدة على خفض نسبة الجياع، وإصرارها على رميها في البحار، تقوم بتأجيج الصراعات وزرع الفتن وإشعال الحروب لتضيف مأساة أخرى إلى المآسي التي تعانيها البشرية من ناحية، ولضمان استمرار دوران مصانعها الحربية التي توفر لها المليارات من وراء صفقات السلاح وتضمن لها امتصاص الباحثين عن العمل لديها، من ناحية أخرى. إضافة إلى ذلك تمارس هذه القوى سياسة التدخل المباشر في شؤون الدول الأخرى وتقوم بدعم النظم الفاسدة التي تقوم بتبديد ثروات شعوبها، لتشاركها في عملية النهب لربط هذه الدول بسياساتها وتأمين تحالفها الاستراتيجي معها.

وفي تصريح للبنك الدولي قال إنه ورغم النزول بخط الفقر إلى 25ر1 دولار فقط للفرد في اليوم فإن 20 بالمئة من عدد سكان العالم يعيشون في فقر. وأوضح في رسالة له نشرها على موقعه الإلكتروني أن هذا يعني أن 3ر1 مليار شخص يعيشون تحت خط الفقر، مشددًا على ضرورة إدراك الدول أن النمو الاقتصادي لا بد أن يكون شاملًا وجاذبًا للمستضعفين والمحرومين بدلًا من التخلي عنهم في الهامش. وفي تقرير جديد أعدته الأمم المتحدة ونشرته الخميس الماضي على موقعها الإلكتروني أكد أن هناك مليار شخص في العالم لا يزالون يكافحون للخروج من براثن الفقر، وأن نحو 600 مليون شخص خرجوا من تحت طائلة الفقر منذ عام 1990، في حين أن نحو ثمانين في المئة من سكان العالم يعيشون بدون الحصول بشكل كافٍ على الحماية الاجتماعية، محذرًا التقرير من أن تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع أسعار الوقود وارتفاع معدلات البحث عن العمل يزيد من مخاطر الاضطرابات الاجتماعية في العالم، فهناك نحو 200 مليون شخص لا يجدون عملًا في العالم، كما أن هناك 621 مليون شاب ليسوا في الدراسة أو العمل أو التدريب. أليست هذه هي إحدى نتائج سياسات القوى الكبرى ونظامها الرأسمالي؟

وفي ظل الوضع الذي أشرنا إليه وفي ظل غياب استراتيجية دولية واضحة وجادة للقضاء على الفقر، ورفض القوى الرأسمالية التخلي عن سياسة رمي الفائض من الإنتاج، والحرص على الربح الوفير والسريع على حساب سكان الكوكب الجوعى، وعدم إلزامية ما يعرف بوثيقة الألفية للدول الغنية بالوفاء بتعهداتها، فإن خفض معدلات الجوع في العالم إلى النصف بحلول عام 2015م لن يتحقق، فالجهود القائمة من قبل بعض الدول والجمعيات المدنية والأهلية غير قادرة على مواكبة الاطراد في أعداد الجوعى، فالأمر بحاجة إلى جهد دولي مشترك وفاعل.

 

Email