قرارات إسلامية متناغمة مع الرؤية العمانية

ت + ت - الحجم الطبيعي


? من نافلة القول الحديث عن الأدوار المشهودة والأشواط البعيدة التي تقطعها السلطنة على صعيد دوائر تفاعلاتها الاستراتيجية، سواء أكانت عربية أو إقليمية أو دولية، ووفق هذا التقدير تأتي المشاركات العمانية في أنشطة هذه المنظمات الإقليمية والدولية على مختلف المستويات لتشكل علامة بارزة لها فرادتها في الأداء السياسي الذي يتماشى مع منطلقات السياسة الخارجية العمانية وثوابتها المتراكمة والمتعاضدة على مدار عمر النهضة المباركة. ولم يكن بعيدًا عن جوهر تلك الحقائق الموضوعية والثوابت الراسخة، الاهتمام الكبير للسلطنة بالبعد الإسلامي في سياستها الخارجية، والذي لم يكن يومًا اهتمامًا موسميًّا أو بروتوكوليًّا، بل واقعًا مهمًّا وموصولًا في دوائر تحركاتها، تترجمه أسابيع الحوار والتسامح الديني التي تطوف أرجاء البسيطة وكراسي جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في أعرق جامعات العالم وأكبرها.


وفق هذا التقدير ودعمًا لنهجه الحميد، جاءت مشاركة السلطنة في أعمال مؤتمر القمة الثانية عشرة لملوك ورؤساء دول منظمة التعاون الإسلامي في القاهرة، والتي شارك في أعمالها ممثلًا لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة، كمحطة جديدة من محطات تعميق تعاون السلطنة مع دائرتها الإسلامية وتأكيد على الدعم العماني غير المحدود للوحدة والتعاضد الإسلامي، في عالم لم يعد يلقي بالًا للكيانات القزمية.


لقد كشفت كلمة السلطنة أمام القمة والتي ألقاها معالي الدكتور يحيى بن محفوظ المنذري عن وعي كبير بحجم التحديات والأحداث التي تشهدها المنطقة والعالم أجمع، وهو ما حدا بالسلطنة إلى طرح رؤيتها كعضو فاعل ونشط وحافز بالدعوة الواضحة إلى تكثيف الجهود والتعاون المشترك لتجاوز هذه التحديات والارتقاء بدور منظمة التعاون الإسلامي، تعزيزًا لمكانة المنظمة ومساهماتها الإيجابية على الساحة الدولية، وتلبية لتطلعات شعوبها وما يجمعها من قيم عليا وغايات سامية ومصالح مشتركة، وهي نقطة تنطوي على ضرورة التطوير والتغيير عبر تعظيم دور الحوار والتفاهم في بلوغ الأهداف المنشودة للتعايش الإيجابي بين الأمم والشعوب القائم على مبادئ التسامح والاحترام المتبادل والعدل والمساواة.


وقد جاء البيان الختامي للقمة أمس مؤيدًا للطرح العماني السوي والعقلاني بتبنيه مبدأ الحوار والتسامح وحق الشعوب في العيش بحرية وطمأنينة واستقرار، ومساعدتها على ذلك عبر مبدأ الحوار، حيث أكد البيان على ضرورة الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والدعوة لحوار جاد يفسح الطريق أمام عملية انتقالية وتحول ديمقراطي في سوريا، والتأكيد على حق الشعب الفلسطيني في الحرية واسترداد حقوقه المسلوبة، ووصول المجتمعين من خلال بيانهم إلى قناعة بأن الحوار هو الوسيلة المثلى لمعالجة الأزمات وأن التخلي عن العنف هو الأرضية الصلبة التي يجب أن ينطلق منها الحوار، وبالتالي لا بد من أن تتحمل المؤسسات والمنظمات الدولية مسؤولياتها الأخلاقية تجاه الشعوب المتطلعة إلى الاستقرار والحرية والرافضة للتدخل في شؤونها الداخلية.

ومساعدتها بمنع كل الوسائل المعيقة إلى ذلك، سواء كانت تقف وراءها دول أو أفراد أو جماعات، ورفض الاحتلال وكل أشكال العنف والإرهاب، والتحريض الطائفي. كما لم يغفل البيان الختامي للقمة الجانب الاقتصادي والبيئي والتنموي من حيث مجالات التجارة ومكافحة الفقر والزراعة والأمن الغذائي وتقوية القدرات وإيجاد وظائف للشباب والسياحة والنقل والقطعة الخاصة وتنمية المشروعات الصغيرة، والتدريب المهني والتنمية الاجتماعية.

إلا أن هذه النتائج المهمة التي حملها البيان الختامي لمؤتمر القمة الإسلامية تحتاج إلى آليات فاعلة تؤدي إلى نقلة نوعية في فعاليات المنظمات والمؤسسات الدولية، وتفعيل القدرات الهائلة التي تمتلكها دول العالم الإسلامي في ممارسة القدر المطلوب من الضغط على القوى الفاعلة في المجتمع الدولي من أجل تحقيق الأمن، والعمل على إيجاد عالم خالٍ من ألوان المعاناة والمآسي، وهضم الحقوق والتحريض الطائفي وعدم الاعتراف بالآخر، عالم يسوده الاستقرار والطمأنينة ومظاهر الحرية والعيش الكريم والتنمية والإنتاج، وتسوده الثقة في المستقبل ولغة الحوار القائم على القبول بالآخر، مهما كان التباين الاجتماعي والثقافي بين المجتمعات البشرية، وهو ما ركزت عليه كلمة السلطنة في القمة، حيث الرؤية العمانية تنهض على أن الحوار يؤدي إلى تنظيم أكثر وضوحًا للشراكة العالمية لتحقيق التعايش المفعم بالرخاء والرفاهية والتقدم والازدهار. ?

 

Email