مطلوب مزيد من التكامل لمعالجة الخلل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما لا يمكن الاختلاف عليه هو أن خطط التنمية في بلادنا منذ بداية النهضة المباركة تسير في خط بياني صعودي يؤكد وضوح الرؤية التي رسمها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ منذ بداية تلك المسيرة المظفرة لمستقبل الأيام، وما يجب أن تكون عليه أنماط حياة المواطن العماني، وما ينبغي أن يتمتع به من رفاهية وتطور.

والحق يقال لقد أدت الخطط الخمسية دورها بإتقان شديد حتى وصلت بنا إلى ما نحن عليه الآن من تقدم ملموس في كافة نواحي الحياة الخاصة والعامة.

 تكاملًا مع الرؤى والتوجيهات والأوامر السامية الحكيمة، وبحثًا في صيغ تنفيذها، كان لمجلس عُمان بجناحيه (الدولة والشورى) الدور الحيوي في صناعة القرار السياسي. وانطلاقًا من الشعور بالمسؤولية تجاه مسيرة التنمية بشكل عام وبخاصة التنمية البشرية ودورها في التنمية، والتحديات التي ضاعفتها الزيادة المطردة في الأيدي العاملة الوافدة أمام الحكومة التي تسعى إلى توفير العيش الكريم للمواطنين، أدار مجلس الشورى جلسة نقاشية مع معالي الشيخ عبدالله بن ناصر البكري وزير القوى العاملة، حيث أضاء معاليه خلال بيانه وكذلك المناقشات كافة الجوانب المتعلقة بفرص العمل في القطاع الخاص والأيدي العاملة الوافدة، وظاهرة دوران الأيدي العاملة الوطنية بين مؤسسات وشركات القطاع الخاص، ودور المنشآت الصغيرة والمتوسطة في مجال تشغيل وتوفير فرص عمل للمواطنين وبرامج الدعم والتمويل، بالإضافة إلى التعليم التقني والتدريب المهني والخطط والبرامج المعتمدة لزيادة الطاقة الاستيعابية في أعداد الطلبة الملتحقين بالكليات التقنية، والتوسع في البرامج الدراسية والتدريبية والتنوع في التخصصات العلمية والتقنية والمهنية بما يلبي احتياجات سوق العمل للقوى العاملة الوطنية بتنوع تخصصاتها ومستويات مهاراتها.

وما يلاحظ أن البيان كان صريحًا إلى درجة كبيرة لا سيما في معرض تفنيده لأسباب تراجع أعداد الأيدي العاملة الوطنية في القطاع الخاص، فعلى سبيل المثال بلغت فرص العمل منذ بداية عام 2011م وحتى نهاية أغسطس 2012م (266.604) فرصة عمل، تم شغل (102.812) فرصة عمل منها بقوى عاملة وطنية، في حين أنه بالمقابل ترك العمل منهم (94.373) مواطنًا ومواطنة، وبقي على رأس العمل ممن تم تعيينهم خلال ذات الفترة (8.439) مواطنًا ومواطنة، نتيجة الاستقالات الكثيرة والرغبة في الانتقال إلى القطاع العام. ونتفق مع ما جاء في بيان معاليه من أن أسباب هذه الظاهرة ترجع إلى ضعف مستوى الأجور وفرص الترقي الوظيفي وصعوبة التكيف في بيئة العمل، إلى جانب صعوبة استخدام القوى العاملة الوطنية للغة الإنجليزية التي تعتبر لغة الأعمال في منشآت القطاع الخاص، ونضيف عليها أيضًا سبب ضعف التأمين الاجتماعي، وغياب الحوافز المشجعة وحالة التمييز التي عادة ما تكون في أغلب المؤسسات والشركات. ولذلك لا بد من مراجعة شاملة وإدخال التعديلات اللازمة التي من شأنها بناء بيئة عمل صحية وجاذبة ومستقرة ومنتجة، وكذلك تشكيل لجان من قبل الوزارة تزور أماكن العمل وتستطلع آراء العمال وتقف على مطالبهم واحتياجاتهم، وإشعارهم بأن الحكومة والمجتمع يقفان إلى جانبهم.

 كما كان البيان صريحًا فيما يتعلق بفرص العمل بمنشآت الدرجة الثانية والثالثة والرابعة التي أظهرت بونًا شاسعًا بين فرص العمل للقوى العاملة الوطنية وفرص نظيرتها الوافدة، حيث بلغت مجتمعة في الدرجات السابقة (19) فرصة عمل للقوى العاملة الوطنية و(981) فرصة عمل للقوى العاملة الوافدة، مرجعًا السبب الأساسي في ذلك إلى أن العدد الأكبر من المواطنين أصحاب السجلات التجارية في المنشآت الصغيرة والمتوسطة استبدلوا الهدف من الترخيص لهم بإنشائها، وهو تمكينهم من إنشاء أعمال حرة للعمل فيها لحسابهم إلى المتاجرة بها، وإعطاء الفرصة للقوى العاملة الوافدة لتملكها من الباطن، والعمل من خلالها في تجارة مستترة على نحو أعاق وبشكل واضح الدور المهام لهذه المنشآت في توفير فرص العمل للقوى العاملة الوطنية، وأدى إلى تقليص قدرتها الحقيقية على المساهمة في استيعاب المواطنين الباحثين عن عمل وتوفير فرص العمل الحر والتشغيل الذاتي للمواطنين بالولايات في مختلف المحافظات. وهنا يتبين أن الرغبة في جني الأرباح على حساب المصلحة الوطنية لا تزال هي السائدة والمسيطرة على أنفس أصحاب السجلات، وكما هو معروف أن أمراض النفس لا تعالج إلا بالقوانين الرادعة والرقابة اللصيقة والتوعية، وبالتالي لا بد أن تنهض الحكومة بل والدولة بمؤسساتها لتغيير هذا الوضع القائم إلى ما يحقق المصلحة العامة التي بتحققها تتحقق المصلحة الخاصة.

إن التباحث حول الاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص والحد من الزيادة في نسبة الأيدي العاملة الوافدة، والضمان الاجتماعي والتقاعد ورفع سقف أجور القطاع الخاص وتحديد حد أدنى لها كل ذلك يخضع لأوضاع متحولة تحكمها الظروف التي تدعو اليوم إلى مزيد من التكامل بين مؤسسات الدولة لمعالجة مواطن الخلل وتجويد الحسن فيها بهدف الارتقاء بحياة المواطن العماني تحقيقا لأهداف النهضة المباركة.
 

Email