هموم الوطن في وجدان القائد

ت + ت - الحجم الطبيعي

برسائل واضحة كاشفة، وكلمات أبوية حميمية حانية تحمل في طياتها حرصًا لا متناهيًا على المصالح العليا للوطن والمواطن، كان الحديث الأبوي الحميمي التوجيهي المهم الذي تفضل به حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ خلال لقائه عصر أمس بشيوخ ورشداء ولايات محافظتي الداخلية والوسطى، وذلك بالمخيم السلطاني بسيح الشامخات بولاية بهلاء بمحافظة الداخلية في إطار جولة جلالته الكريمة في ربوع البلاد، والذي تناول فيه جلالته ـ أيده الله ـ جملة من القضايا والتحديات والهموم التي تواجه حاضر عُمان ومستقبلها والمستقرة في وجدان القائد.

لقد أكد الحديث الأبوي لجلالته ـ ابقاه الله ـ أمس مضامين عديدة تعد أركانًا وطنية بامتياز جاءت من أجلها النهضة المباركة، منها تأكيد جلالة عاهل البلاد المفدى أن التنمية متواصلة ـ بإذن الله ـ ولن تقف مهما كانت الظروف. فعملية التنمية تمضي في بلادنا ـ ولله الحمد ـ على قدم وساق وفق الخطط الموضوعة لها في إطار مسيرة النهضة المباركة التي يرعى مسيرتها حاديها الأمين جلالة السلطان المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بحرص وتفانٍ. وتدل الشواهد الموضوعية على الأرض أن هذه الخطط والعمليات التنفيذية لها شاقة طريقها، من خلال وضع الخطط والميزانيات وإنشاء دور الإعداد والتأهيل للكوادر الوطنية، والحرص على ربطهم بموروثهم وماضيهم وتاريخ حضارتهم وإسهامات الحضارة العمانية في التاريخ البشري والإنساني، فقد زف جلالته ـ أيده الله ـ لأبناء شعبه الوفي قراره بإنشاء كلية تحمل اسم (كلية الأجيال) تعنى بالحرف التقليدية والصناعات الحرفية تبدأ بتأهيل 200 شخص تمتد إلى 800 شخص حسب ما هو متوقع خلال السنوات الأربع القادمة.

وذلك بهدف النهوض بهذه الحرف التي تمثل تاريخًا وثقافة وهوية حضارة ودولة وشعب ومواطن، فالعناية بها وإحياؤها وتطويرها مهم جدًّا لما له من انعكاس على الحضارة العمانية وتاريخها وثقافتها وهويتها، ومخافة أن تمتد إليها الأيدي العاملة الوافدة وتشوه جودتها، ومخافة أن تنقلها إلى بلادها وتطورها، فالحرف التقليدية والصناعات الحرفية تعد ملكية فكرية عمانية. كما زف جلالته ـ أبقاه الله ـ البشرى لشباب هذ الوطن ذكورًا وإناثًا بإنشاء صندوق (الرفد) ليكون صندوقًا جامعًا وحاضنًا لجميع مصادر دعم الشباب المعروفة برأسمال يبدأ من سبعين مليون ريال عماني، على أن يزود بـ7 ملايين كل عام يضاف إلى رأس المال، وذلك بهدف دعم شبابنا وتمكينهم في مشروعاتهم ومؤسساتهم الصغيرة والمتوسطة التي تعتبر أساسًا ـ كما أكد جلالته ـ لنهضة الاقتصادات، فاقتصادات الدول الصناعية المتقدمة قامت بداية من قاعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهذا ما يتطلع اليه جلالته في إطار حرصه على الاقتصاد الوطني.

وما من شك في أن تأكيد جلالته ـ أعزه الله ـ على ضرورة احترام نسب التعمين المقررة والوقوف وقفة جادة أمام تحدي الأيدي العاملة الوافدة، لهو نظرة ثاقبة وبعيدة المدى من قبل المقام السامي لما تمثله هذه الظاهرة من تحدٍّ أمني واقتصادي واجتماعي خطير يواجه الوطن والجهات الأمنية، مع الاستقدام غير الواعي والخارج في البعض الأحيان عن القانون لأفواج الأيدي العاملة الوافدة وخاصة غير الماهرة، إلى جانب عمليات التسلل التي تقوم بها هذه الأيدي الوافدة عبر السواحل، وكذلك تصاعد عمليات تهريب الممنوعات، ونمو وتنوع جرائم بعض تلك الجنسيات كمًّا وكيفًا، كما أن جلالته ـ حفظه الله ورعاه ـ أصاب كبد الحقيقة حين تحدث عن نزيف الثروات الوطنية الذي تتمخض عنه حجم التحويلات السنوية من العملة الوطنية التي تخرج من السلطنة عبر تلك الأيدي العاملة الوافدة، بما يفقد الوطن الكثير من مكتسبات ومداخيل وطنية هو في أمس الحاجة إليها، وذلك بالطبع لن يجد حدًّا سوى بسد منافذ هذا الخطر الداهم عبر وعي وطني جامع بخطورة هذه القضية تتشارك فيه كافة شرائح وقطاعات المجتمع.

لقد ظهرت علامات البشر والحبور على قسمات الوجه السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ في حديثه عن ردود الفعل الإيجابية من قبل الشباب لما تمخضت عنه ندوة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في رحاب سيح الشامخات، وهو ما يمثل تأكيدًا على الحرص السامي على مردود أفعال أبناء شعبه تجاه ما يطرحه من رؤى وأفكار، ويشكل تفاعلًا حيًّا بين المبادرة السامية من ناحية وأهدافها ومراميها من ناحية أخرى، والتي تغادر محطة التوصيات التقليدية إلى قرارات حاسمة واجبة النفاذ، وهو أمر ضروري في عصر لا يحتمل بطء وتأجيل وتسويف الخطوات التاريخية، في وقت تبدو فيه تلك المؤسسات لبنات مهمة في بناء الاقتصادات الكبرى، ونقطة انطلاق جوهرية نحو بناء قلاع صناعية عملاقة بمبادرات وطنية، تعيد ترتيب أولويات الشباب وتخرجهم من دولاب العمل الحكومي إلى آفاق أوسع من الطموح وتعميق الرغبة في المشاركة في بناء الوطن وتقدمه بضمانات وتسهيلات حكومية كبيرة.

لقد حرص جلالته ـ أعزه الله ـ على ربط ماضي الإنسان العماني بحاضره بالتأكيد على أهمية البحر والثروة السمكية وضرورة تنميتها، وهي مسألة جوهرية ليس في أهميتها فقط على صعيد التنمية المستدامة التي تنتهجها الحكومة، والتي قطعت ولا تزال تقطع فيها اشواطًا واسعة ومشهودة في سبيل زيادة الإنتاج والوصول به إلى مرحلة متقدمة في الإسهام في الدخل الوطني، بل وأيضًا توثيق العرى بتراث بحري حاشد تدثر بمعاني المجد والعظمة والسؤدد، وكان حاملًا لرسائل الحب والإخاء والسلام إلى شتى أنحاء العالم، ومرآة عاكسة لتاريخ عريق تتفرد به السلطنة بين الأشقاء والأصدقاء.

 

Email