ما أحوجنا اليوم للتمسك بقيم ديننا

ت + ت - الحجم الطبيعي

 تعيش الأمة الإسلامية نفحات الذكرى العطرة لمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي مناسبة تمثل فرصة لهذه الأمة التي تتكالب عليها الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها، أن تستذكر نهج صاحب المناسبة كخير نموذج يحتذى به على مر العصور والأزمان، فقد باتت منساقة وراء الأكلة المتآمرين عليها بعد أن نجحوا في الإيقاع بها في فخ الطائفية والمذهبية، لتشتيتها وتمزيقها وإضعافها، فغدا الدم العربي والإسلامي هو اللون الذي تروى به أرض العرب والمسلمين.


لقد كان مولده صلى الله عليه وسلم مؤذنًا ببدء رسالة هادية للبشر، كما كان في سلوكه أبرز مواطن الموعظة الحسنة، كما كانت سيرته ونهجه وارتباطه بخالقه في تنفيذ أوامره سببًا في بناء أمة موحدة قوية، صنعت التاريخ وبنت العلماء والعظماء والنجباء الذين خلدهم التاريخ ولا يزال نورهم يسطع على صفحات مجد هذه الأمة الإسلامية التي قال عنها خالقها جل في علاه "كنتم خير أمة أخرجت للناس".

وما أحوج هذه الأمة اليوم إلى استحضار المزايا النبيلة والصفات الحميدة التي كانت تتجسد في شخص الهادي الأمين عليه الصلاة والسلام، والتي جعلت منه أخلاقًا تسير على الأرض ونورًا يهدي الغارقين في ظلمات الجهل، حيث تلك الأخلاق بما فيها من سمات السماحة وسعة الصدر والتواضع والرحمة والحلم وحب الخير، شملت جميع الناس من مسلمين وغير مسلمين، إذ أخذ عليه السلام يسمو بأخلاقه عن كل خلق، فكانت سماحته وسعة صدره تستوعبان الأخطاء البشرية، ولم يقتصر عفوه على ما يصدر من أخطاء في شخصه، بل تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك كتسامحه مثلًا مع المرأة التي دست له السم، فقد طبق مبدأ التسامح تطبيقًا عمليًّا كان له أثره في التأثير على أنفس وعقول غير المسلمين وقلوبهم، مما جعلهم يقتنعون بالإسلام ويعتنقونه طواعية ودون إكراه.

وحين أنكره بعض قومه ورفضوا رسالته وناصبوه العداء هاجر إلى أرض غير الأرض، ووطن غير الوطن، لكنه كان مشحونًا بالإيمان لعدالة رسالته وعدم الاستعداد للتفريط بها حتى لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في يساره ـ كما قال لعمه أبي طالب ـ حتى بلغ مراده وارتفعت راية الإسلام خفاقة في كل العالم. ومن هذه المناسبة نستلهم العبرة، عبرة الصبر على المكاره من أجل الوصول إلى الهدف وانتصار الحق وإن اقتضى الأمر دهرًا فليتغير الزمان والمكان ولنستعصم بالصبر والحكمة والموعظة الحسنة.

ولنثبت على الحق، فما ضاع حق وراءه مطالب، وقد كان من حوله الصحابة يأتمون به ويأتمرون بأمره ويصدقونه فيما يقول دون أن يطلبوا منه الدليل المادي على كل موقف أو آية تتنزل عليه، حيث ساهمت تلك الصفات وساهم ذلك النهج الحكيم في مخاطبة الناس ودعوتهم وإقناعهم في إبراز الصورة الحسنة الناصعة البياض لحقيقة الإسلام، وهو ما يتنافى اليوم مع مظاهر قتل المخالفين في الرأي والاعتقاد وتكفيرهم، وتفخيخ السيارات وزرع القنابل والقتل على الهوية، واستهداف دُور العبادة، فالإسلام بريء من هذه المظاهر وأصحابها الذين اتخذوا من الإسلام وسيلة لتنفيذ أهداف أعداء الأمة الإسلامية، وستارًا إما جهلًا وإما تضليلًا ممارسًا عليه.

وإما بحثًا عن مال أو شهرة أو شهوة أو سلطة، ما سهل الطرق لأعداء الإسلام للنيل منه ومن أتباعه، ووصمه بنعوت منافية لحقيقته وحقيقة أتباعه بأنه دين عنيف وأتباعه ماديون وإرهابيون، وغير ذلك من صور التشويه التي يحاول هؤلاء الأعداء وأذنابهم إلصاقها بالإسلام وبأتباعه.


إن على المسلمين مراجعة الذات بما يتوجب إيقاف الافتراءات عن دينهم وعنهم، وإظهار صورة الإسلام الحقيقية المحبة للسلام الرافضة لجميع أشكال العنف والقتل والتدمير، وأن الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة هو الركيزة الأساسية في منهج السلام في الإسلام.

 

Email