إرادة سياسية أم قمة اقتصادية ؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

القمة الاقتصادية التي تعقد في الرياض لبحث واقع التنمية والأوضاع الاقتصادية في الوطن العربي بمشاركة الرئيس عباس وعدد من الزعماء العرب تثير العديد من التساؤلات وفي مقدمتها: هل هناك فعلا إرادة عربية وقرار عربي واضح للنهوض باقتصاد عربي واحد متكامل يخدم شعوب هذه الأمة وقضاياها المركزية وفي مقدمة ذلك خدمة استقلالية القرار السياسي العربي والنهوض بواقع الشعوب العربية من البطالة والفقر والحرمان الى واقع تتمتع فيه الشعوب العربية بمواردها وتطور واقعها علميا وتكنولوجيا حتى يكون العالم العربي عالما منتجا وليس مجرد سوق واسعة استهلاكية لمنتجات مختلف الدول المتطورة؟

ومما لا شك فيه ان من الصعب الفصل بين السياسة والاقتصاد ومختلف جوانب الحياة الاجتماعية لدى اي شعب أو أمة، ومن الواضح ان الدول التي أمنت لشعوبها احترام قيمة وكرامة الانسان وحقوقه وأرست مبادىء الديمقراطية وتداول السلطة والتعددية ورصدت للتطور العلمي والابحاث والتطور التكنولوجي نسبة عالية من ناتجها القومي هي تلك الدول التي خطت خطوات واسعة نحو الازدهار والتطور الاقتصادي وهي نفس الدول التي استطاعت ترسيخ مكانتها السياسية على الساحة الدولية.

واذا كانت مفاهيم الوحدة العربية او التكامل الاقتصادي قد أصبحت مجرد شعارات لدى النظام العربي في ظل واقع الدولة القطرية التي ترسخت على مدى عقود لعوامل عدة لا مجال للخوض فيها هنا، واذا كان العرب قد نسوا او تناسوا قضاياهم المركزية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، واذا كان واقع التنمية في العالم العربي يراوح مكانه فان المطلوب من الزعماء العرب تحديد استراتيجيات واضحة سياسية - اقتصادية - عسكرية يكون التكامل الاقتصادي وواقع التنمية احد أعمدتها الرئيسية، عندها فقط يمكن للاقتصاد العربي ان ينهض على قاعدة وجود إرادة سياسية وقرار سياسي بأن يأخذ العالم العربي مكانه بين أمم الأرض بما يليق بهذه الأمة العربية العريقة وبما ينسجم مع مقدراتها ومواردها وطاقتها البشرية.

واذا كانت القضية الفلسطينية والتحديات الجسيمة التي تفرضها اسرائيل في المنطقة العربية، ليست على رأس جدول اعمال الزعماء العرب ، واذا كانت التبعية الاقتصادية للغرب أمرا هامشيا على خطورتها ، واذا كان واقع التجزئة القطرية آخذ بالترسخ بدل هدم الجدران التي أسسها الاستعمار بين شعوب هذه الامة،فان الحديث عن بحث سبيل التنمية وعن واقع اقتصادي افضل يظل ضربا من الخيال ووهما يلف في دوامته هذه الشعوب التي بدأت تدرك انها لا تتمتع بالجزء الاكبر من مواردها وان الجزء المتبقي من هذه الموارد لا يخضع لتوزيع عادل، وهو ما يشكل بداية انتفاضات الشعوب العربية فيما سمي بـ «الربيع العربي» الذي اراد له الكثير من اعداء هذه الامة الانحراف عن وجهته الصحيحة كما أرادوا طمس أسبابه الحقيقية.

ولعل مأساة الشعب الفلسطيني المتواصلة منذ عقود تشكل مثالا حيا على عجز النظام العربي في توظيف اقتصاد وموارد هذه الأمة لصالح قضاياها المركزية، واذا كان النظام العربي يتلكأ حتى الان في مد يد العون والدعم لفلسطين وهي تعاني أسوأ أزمة مالية منذ عقود وتتواصل المعاناة الفلسطينية وسط تدهور اقتصادي يطال مختلف جوانب الحياة اضافة الى المعاناة الرئيسية الناجمة عن الاحتلال، فان من المنطقي ان يدوي صوت فلسطين ليس فقط في قمة الرياض الاقتصادية بل وفي مختلف العواصم العربية التي يجب ان تدرك ان أزمة فلسطين السياسية والاقتصادية تعني أزمة نظام عربي بأكمله تماما كما هي أزمة الفقر والبطالة وانعدام أفق التنمية الحقيقية لدى مختلف الشعوب العربية.

ففلسطين لا تتسّول على أبواب العواصم العربية ولا تتطلع الى حفنة أموال من هنا او هناك بل هي تنتظر إرادة سياسية عربية وقرارا عربيا جديا لتوظيف واستثمار مقدرات هذه الأمة خدمة لقضاياها الحقيقية واستجابة لنبض مواطني هذا الوطن العربي الكبير من المحيط الى الخليج.

Email