الحكومة الاسرائيلية والكيل بمكيالين

ت + ت - الحجم الطبيعي

 2013 سارعت الحكومة الاسرائيلية أمس وأمس الأول إلى إخلاء قرية "باب الشمس" الفلسطينية التي أقامها ناشطو المقاومة الشعبية السلمية الفلسطينية، على أرض فلسطينية تحاول اسرائيل مصادرتها من أصحابها الشرعيين في قرى العيزرية وأبو ديس والعيسوية، لبناء مستوطنة كبرى تطلق عليها إي-١ . والهدف منها هو وصل مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس، وفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها وعن مدينة القدس، والقضاء نهائيا على ما يعرف بحل الدولتين.

قوات الجيش والشرطة الاسرائيلية وصلت إلى القرية الفلسطينية الناشئة، فهدمت الخيام وفرقت سكانها، وأعلنت المنطقة منطقة عسكرية يمنع الدخول إليها. وبالأمس، وعندما حاول الناشطون العودة إلى القرية واجهتهم الشرطة الاسرائيلية بالقوة، ومنعت وصولهم إليها مع أنها أرض فلسطينية واقعة في الضفة الغربية، وبالتالي فهي تدخل ضمن قراري مجلس الأمن الدولي ٢٤٢ و٣٣٨ اللذين نصا على انسحاب اسرائيل من الأراضي المحتلة، وليس لاسرائيل الحق في استيطان هذه المنطقة، وفقا لميثاق جنيف الذي يحظر على دولة الاحتلال نقل جزء من مواطنيها إلى الأراضي الواقعة تحت الاحتلال، تحت طائلة الوقوع في ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، وبحسب تنص عليه تلك المواثيق، والقوانين الدولية عامة.

والمفارقة هي أن المستوطنين يقيمون البؤر الاستيطانية في أي منطقة تحلو لهم، دون أن تتدخل الحكومة الاسرائيلية، ودون أن توجه جيشها وشرطتها إلى هذه البؤر الاستيطانية، أو تخلي المستوطنين بالقوة، كما حدث في باب الشمس. مع أن المستوطنين معتدون على ملكية الأرض التي يقيمون المستوطنات عليها. وهكذا تنعكس الصورة وتنقلب المعادلة : فيتم إخلاء أصحاب الأرض ومنعهم من إقامة حتى الخيام فوق أراضيهم، بينما يتم تشجيع المستوطنين الوافدين، والصمت عن تجاوزاتهم، بل وشرعنة اعتداءاتهم خلال وقت يطول أو يقصر.

والعجيب بعد هذا كله، بل قبل هذا كله، هو أن الحكومة الاسرائيلية تدعي أن الاستيطان ليس عقبة أمام السلام. فأي سلام هذا الذي يمكن تصوره مع انتزاع الأراض من أصحابها، ومنعهم من بناء المساكن عليها بالقوة، وتقديم الأراضي مجانا للمستوطنين ليغيروا الطبيعة الديموغرافية والحضارية للأراضي الفلسطينية، مستغلين قوتهم العسكرية وتسامح العالم، حتى الآن، مع هذه السلوكيات الاستعمارية الإحلالية؟.

هذه الازدواجية في المقاييس تثبت للعالم أن الحكومة الاسرائيلية الحالية، كما سابقاتها، ليست معنية بالسلام حتى بالحد الأدنى من المطالب الفلسطينية العادلة، التي شكلت إطار الشرعية الدولية للعملية السلمية. وقد استخدمت هذه الحكومة وسابقاتها المفاوضات لكسب الوقت من أجل توسيع المستوطنات. وقد استطاعت السلطة الفلسطينية رفع القناع عن حقيقة النوايا التوسعية الاسرائيلية التي تسعى لابتلاع الأراضي الفلسطينية المحتلة وهضمها تدريجيا، متحدية في ذلك إرادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية، والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في الحرية والسيادة والاستقلال.

وكان إخلاء قرية باب الشمس، بهذه الصورة العنيفة ودون أي سند قانوني، دليلا جديدا على محورية الاستيطان في السياسة الاسرائيلية، وعلى أن قناع السلام الزائف سرعان ما ينكشف، لتبدو الحقيقة الاستيطانية الاسرائيلية سافرة ومفضوحة، لمن كانت له عينان أو عقل نزيه يرى الحقائق كما هي، ودون تزييف أو تضليل.

Email